رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عبد الرحمن أبا الخيل .. مجموعة إنسان!

تحظى شخصية الوزير الأستاذ عبد الرحمن أبا الخيل في هذه الأيام باهتمام خاص من قبل بعض الصحف. ودعوني أغتنم هذه الفرصة وأقول إن السعوديين مقصرون مع فن من فنون الكتابة، وهو فن ''السير الذاتية''، علما بأن هذا الفن يحظى باهتمام كبير في دول العالم المتقدم، لأن أصحاب السير الذاتية العطرة هم كثيرا ما كانوا من الرواد والقدوة وأصحاب المواهب والقيادات التي يمكن أن تكون نماذج تقتدي بها الأجيال المتعاقبة.
وأنا شخصيا لي تجارب مباشرة مع القدير الوزير أبا الخيل، وأذكر أنني تقدمت بطلب أطلب موعدا مع معالي الوزير، وكنت أظن أن الموعد سيطول مع الوزراء، لكن فوجئت بأن الموعد في صباح الغد، وفي الغد الجميل توجهت إلى مكتب معاليه، وفورا قال لي مدير مكتبه إن الوزير موجود ورفع السماعة واتصل بمعاليه، وسمعت صوت الوزير يأتيني من خلف الباب مرحبا بي، وما إن هممت بالدخول وإذا بالباب ينفرج ويطل علي الوزير بابتسامته الوسيمة التي كانت تسبق خطواته.
وساعتها أحسست بشيء من الثقة، وبعد عبارات الترحيب التي أغرقني بها معالي الوزير الشاب (آنذاك) بدأت أوجه أسئلتي إلى معاليه، وكان معالي الوزير يجيب عن كل سؤال بكل جدية وكل اهتمام وكل حضور.
وأحسست بعد أن انتهيت من مقابلتي بأنني كنت أمام مجموعة إنسان ومجموعة مشاريع، وتوقعت أن الرياضة وشبابها مقبلون على مستقبل وارف.
إن الوزير عبد الرحمن أبا الخيل لم يكن قط إنسانا عاديا، بل كان مواطنا سعوديا يتمتع بالكثير من مواهب القائد الذي يتميز عن غيره بمبادرات تعطيه التفرد والبروز والإبداع.
وإذا نظرنا إلى التدرج الوظيفي للوزير عبد الرحمن أبا الخيل نجد أن تدرجه الوظيفي في صعود مستمر، فقد بدأ الوظيفة بعد تخرجه في الجامعة مدرسا ومعلما وتربويا، ثم اشتغل في السلك الدبلوماسي، ثم انتقل إلى وظائف قيادية في وزارة المالية والاقتصاد الوطني، إلى أن صدرت الإرادة الملكية من لدن الملك فيصل - رحمه الله - بتعيينه وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية.
وقاد الوزير الوزارة التي كانت يومذاك تتخبط في أمواج الاضطرابات العمالية العاتية، لكن بحكمته وذكائه استطاع أن يعيد العمال إلى طواحينهم وأن يصدر أول نظام للعمل والعمال، ويصدر أول نظام للتأمينات الاجتماعية، وينشئ أول إدارة لرعاية الشباب يمكنها من بناء أولى المنشآت الرياضية في الرياض وجدة والدمام.
وعلى ذكر ''رعاية الشباب''، فإنني كنت أحد الذين شهدوا مناسبة تعيين الأمير فيصل بن فهد مديرا عاما لرعاية الشباب في ديوان الأمير عبد الله الفيصل، كان ذلك في يوم 25 سبتمبر 1971. ويومذاك كنا نجلس في مجلسه الثري المعروف الذي كان يرتاده الأعيان من المفكرين والرياضيين. ولقد تعودنا أن يبث الأمير حديثه إلى المجلس بتركيز شديد، إلا أنني لاحظت في ذلك اليوم أن سموه ــ على غير عادته ــ يتحدث في القضايا المطروحة ثم يتشاغل بالتفكير والتأمل. يرفع حاجبيه الكثيفين إلى أعلى ثم يرمي بنظراته إلى سقف المجلس وينشغل بالتأمل والتفكير، وفجأة رفع سماعة الهاتف كمن تذكر شيئاً مهما، ثم طلب من عامل الهاتف أن يحضر معالي الوزير عبد الرحمن أبا الخيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية. وبعد لحظات رن جرس الهاتف، فقيل له إن الوزير عبد الرحمن على الهاتف، فقال الأمير في تواضع: يا عبد الرحمن أنت في البيت، أبي أجي أزورك.
فقال أبا الخيل: أتشرف طال عمرك، هل من أوامر.
قال الأمير: فيه خير، مسألة عاجلة أبي أتحدث معاك فيها شخصياً.
فقال أبا الخيل: ما يحتاج تجيني أنا ــ يا طويل العمر ــ أجيك.
شكره الأمير والتفت إلينا يقول: المسألة تحتاج إلى سرعة في البت، ولم نعرف ماذا يقصد الأمير عبد الله، لكن كنا نحس بأن في الأمر شيئا مهما.
وبعد لحظات جاء الوزير وأخذه الأمير من يده وذهبا معاً إلى الديوان وجلسا على انفراد، وبعد مدة لم تزد على عشر دقائق عاد الأمير إلى مجلسه ولم يستطع أن يخفي الابتسامة التي ظلت عالقة بوجهه الطيب، إلى أن قال: أخي الأمير خالد الفيصل سيترك ''رعاية الشباب''، فلقد صدر أمس أمر ملكي بتعيينه أميراً على منطقة عسير، ولقد اقترحت على الشيخ عبد الرحمن أن يحل محله الأمير فيصل بن فهد (27 عاماً) الذي تخرج لتوه في إحدى الجامعات الأمريكية. ووافق الوزير على الاقتراح ووعد ببحثه مع الجهات المختصة غداً، ثم يصدر الوزير قراراً بتعيين الأمير فيصل مديراً عاماً لـ''رعاية الشباب'' خلفاً للأمير خالد الفيصل.
ثم أضاف الأمير عبد الله الذي بدت عليه علامات الارتياح قائلاً: أنا شخصياً متفائل بمستقبل الرياضة والشباب بقيادة الأمير فيصل، والمرحلة التي نعيشها تحتاج إلى دفعة قوية، وإذا لم نسرع ونرشح لهذا المنصب شخصية ملائمة وقوية فلسوف تضيع الفرصة ونفقد الكثير.
ومن ذكرياتي مع الوزير عبد الرحمن أبا الخيل أنني حينما انتهيت في عام 1970 من تأليف كتاب عن الدورات الأولمبية رغبت في أن يكتب مقدمة الكتاب الوزير عبد الرحمن أبا الخيل بصفته رئيسا للجنة الأولمبية السعودية، وكنت أظن أن التلبية عسيرة بحكم مشاغله، لكن أبا الخيل كعادته يبسط المسائل، وبعد أيام قلائل وصلتني المقدمة التي جاء فيها: ''وفي هذه الأيام نحتفل بانطلاقنا إلى أكبر تجمع رياضي عالمي ويرتفع علم بلادنا الحبيبة في القرية الأولمبية في مدينة ميونيخ، وإن كان اشتراكنا هذا رمزيا إلا أنه يعتبر دفعة قوية للحركة الرياضية وتطورها...''.
في ضوء هذه الذكريات العطرة النجيبة فإن الوزير عبد الرحمن أبا الخيل يستحق كل تقدير، بل يستحق كل حب من كل الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه، يستحق الحب والتقدير من كل مواطن سعودي يقدر العاملين المخلصين المجددين الذين يتمتعون بالكفاءة والإخلاص ومتعونا بالعمل المبين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي