السرقات العلمية تحتاج إلى وقفات!
لم تكن السرقات العلمية وليدة العصر، بل هي موجودة على مر العصور، ولكنها صارت أكثر شيوعاً بسبب الاعتماد الكبير على الشهادات العلمية في التوظيف والهوس لدى البعض بالألقاب العلمية لكسب الوجاهة الاجتماعية. والسرقة العلمية هي الاستفادة غير المشروعة من أفكار كاتب أو مؤلف دون إذنه أو دون الإشارة إليه في الهوامش أو ضمن قائمة المراجع، وتتنوع السرقات العلمية بين السطو الكامل أو شبه الكامل إلى الاقتباس غير الأمين وغير الموثق.
في السنوات الأخيرة برزت قضايا سرقات علمية تمس شخصيات سياسية واجتماعية ودينية مرموقة وذات نفوذ كبير في الدولة أو خارجها. ومن أقرب الأمثلة إلى الذهن إعلان جامعة سيملوايس في المجر قبل عدة أيام بأن السياسي الهنجاري بال شميت ارتكب عملية غش في أطروحة الدكتوراه التي قدمها للجامعة المذكورة، وقامت بسحب شهادة الدكتوراه من رئيس الجمهورية، فلم يجد سبيلاً إلا تقديم استقالته على الرغم من فوزه الساحق بالرئاسة.
وفي شباط (فبراير) الماضي استقال وزير الدفاع الألماني كارل تيودور تسو جوتنبرج (39 سنة) الأكثر شعبية في حكومة أنجيلا ميركل، بسبب فضيحة اتهامه بالتزوير في أطروحة الدكتوراه التي قدمها في القانون، معلناً استقالته واعتذاره. وبناء عليه، قامت جامعة بيروث (جنوب) بسحب لقب الدكتور الذي حصل عليه في 2007 معتبرة أن أطروحته لم تكن نتيجة ''عمل علمي صحيح''.
وقبل عدة أشهر صعق الكثيرون بأنباء حول إقدام شخصية محبوبة لدى الكثيرين بارتكاب سطو على أحد الكتب. هذه الشخصية المعروفة هو الدكتور عايض القرني الذي اتهمته سلوى العضيدان بسرقة كتابها ''هكذا هزمت اليأس'' المنشور في 2007 ليضمن ما يصل إلى 90 في المائة من كتابها في كتابه ''لا تيأس''. وقامت لجنة حقوق المؤلف في وزارة الثقافة والإعلام بتغريم الشيخ القرني 330 ألف ريال وسحب كتاب ''لا تيأس'' من الأسواق. كما اتهم الشيخ بالسطو على كتاب آخر بعنوان ''شعراء قتلهم شعرهم'' وتضمين محتواه في كتابه عن ''قصائد قتلت أصحابها''.
وقبل عدة سنوات اتهم نائب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بارتكاب الغش أثناء دراسته الجامعية في إحدى جامعات ولاية متشجان مما اضطره للتخلي عن مواصلة المنافسة في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
نحن نتحدث عن غش في مقرر كما فعل نائب الرئيس الأمريكي أو غش في أطروحة دكتوراه، وهذا جرم يعاقب عليه القانون وخزي يعرض صاحبه للاستقالة أو الاختفاء عن أعين الناس، ولكن ماذا عن الشهادات الوهمية؟ أليست أكثر جرماً وأعظم ذنباً؟ لماذا لا يعلن عن إلغاء هذه الشهادات الوهمية وسحبها من أصحابها؟ ما الجهة المخولة بعمل ذلك؟ هل هي وزارة التعليم العالي؟ ثم هل سنسمع عن استقالات بالجملة عند الكشف عن الأسماء الحائزة على شهادات وهمية؟! أم أن الاستقالات وتحمل المسؤولية ليست في ثقافتنا؟! أسئلة تبقى حائرة في أذهان الناس!
وفي هذا السياق لا بد من الإشادة بجهود الزميل والصديق العزيز الدكتور موافق الرويلي عضو مجلس الشورى الذي قام بجمع كل ما يتعلق بالشهادات الوهمية ورصد أسماء الحاصلين على هذا النوع من الشهادات، بل ونجح في تقديم مقترح لمجلس الشورى لتجريم الشهادات الوهمية وإقرار نظام ''الحماية من الشهادات الوهمية''. هذا الجهد الرائع يُسجل للدكتور الرويلي إسهاماً منه في حماية المجتمع من هذه الشهادات الوهمية.
وفي خضم هذا التزايد في جرائم السطو على مؤلفات الآخرين وأعمالهم العلمية، جاءت التقنيات الحديثة وخاصة الإنترنت وبعض البرمجيات المتخصصة المتوافرة مجاناً أو بأسعار زهيدة لتسهم في الكشف عن السطو العلمي والسرقات الأدبية على أعمال الغير، خاصة ما يكتب باللغة الإنجليزية لتُحدد نسبة الاقتباس المباشر في الدراسة أو الوثيقة مثل plagiarism detector وViper التي تقوم باستعراض جميع الوثائق والملفات والرسائل على الإنترنت. وعلى الرغم من ندرة البرمجيات باللغة العربية في هذا المجال، فإن وجود بعض محركات البحث وخاصة ''جوجل'' يساعد على الكشف عن السرقات الأدبية.
هذا التزايد الكبير في ارتكاب السرقات الأدبية والسطو على أعمال الآخرين يأتي بسبب إخفاق التعليم العام والعالي في توعية الطلاب بخطورة الغش والاقتباس غير الأمين، وكذلك عدم وجود الأنظمة الرادعة لمثل هذه الجرائم العلمية، ناهيك عن غض الطرف (بقصد أو دون قصد) عن الشهادات الوهمية التي انتشرت في المجتمع! لا بد من تنظيم حملات توعية في المدارس والجامعات بخطورة السرقات العلمية والشهادات الوهمية والتأكيد بأنها لا تخرج عن الغش والتدليس أو السرقة. وأختتم بالآية الكريمة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم).