رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


اتحاد دول المجلس .. متطلبات المرحلة

ستشهد الفترة المقبلة مرحلة مهمة للعلاقات السياسية والاقتصادية على المستوى الخليجي، حيث ستتضمن عملية تشكيل المنظومة السياسية الجديدة التي ستمثل الإطار الذي ستنتظم فيه هذه العلاقات، وتقود بدورها إلى تحقيق الهدف الذي رسمه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمتهم الأخيرة التي عقدت في الرياض، للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. هذه المرحلة ستكون مهمة جدًّا؛ لأنها ستؤدي إلى وضع القاعدة التي ستنطلق منها عملية بناء الاتحاد بكل ما تتضمنه من عناصر، مما يجعل من المهم التركيز عليها لكي يتم البناء على أسس راسخة ومتينة.
من التساؤلات التي تتبادر إلى الذهن الكيفية التي ستتم بها عملية التحول، ومَنْ سيقود عملية التغيير المقبلة التي سيشهدها اتحاد دول الخليج العربية في منظومة سياسية واحدة. هل ستكون الأمانة العامة لمجلس التعاون في شكلها الحالي، أم ستكون نواة لجهاز جديد لاتحاد دول الخليج العربية؟ وهل الجهاز الحالي للأمانة، بما لديه من إمكانات مادية وبشرية، قادر على الاضطلاع بهذه المهمة الصعبة والحساسة؟ كل هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات، وأتمنى أنها لم تَغِبْ عن مناقشات وتقرير لجنة الثمانية عشرة التي أمر قادة دول المجلس بتشكيلها للنظر في عملية التحول إلى مرحلة الاتحاد.
يجب أن نعلم أن قوة الاتحاد وفعاليته لن تنبع فقط من قوة الدول العسكرية والسياسية والاقتصادية المنضوية في إطاره، وإنما ستنبع في الأساس من قوة الجهاز الذي سيضطلع بالمهام الرئيسة في جميع هذه المجالات. الأمانة العامة لدول المجلس في وضعها الحالي غير مؤهلة لأن تقود عملية التحول، ولكنها بالطبع بما اكتسبته من خبرة خلال السنوات الـ30 الماضية قد تساعد على تأسيس الأجهزة الرئيسة للاتحاد. وفكر ومفاهيم عمل أجهزة الاتحاد يختلف بشكل جذري عن فكر وعمل أجهزة التعاون، التي كانت تركز على تنسيق مواقف دول التعاون، بينما في المرحلة الجديدة فإن أجهزة الاتحاد يجب أن تكون ممثلاً لدوله في كل المجالات العسكرية والسياسة الخارجية والشؤون الاقتصادية المحلية والدولية.
هذا بالطبع يتطلب أن يكون هناك اتفاق على آليات وسياسات ومنهج الحوكمة في اتحاد دول المجلس، بما في ذلك الاتفاق على آليات الاختيار لمسؤولي أجهزة الاتحاد، التي يجب أن تعتمد بشكل رئيس على الكفاءة، مع ضمان التمثيل المتوازن لجميع الدول في أجهزة الاتحاد، وكذلك آليات التصويت واتخاذ القرار في كل ما يتعلق بالقضايا المطروحة. وفي هذا المجال، يمكن الاستفادة بشكل كبير من خبرة دول الاتحاد الأوروبي، التي استطاعت عبر الزمن بناء أجهزة اتحاد قوية، وأصبح الآن لديها ممثل سياسي، ومفوض للشؤون الخارجية، مما عزز من وجود ممثلي الاتحاد على الساحة الدولية.
القضية الأخرى تتعلق بالمؤسسات الوطنية في دول الخليج، والكيفية التي يجب أن تنظر بها إلى عملية التحول من التعاون إلى الاتحاد. في المرحلة الأولى كانت المصالح الوطنية لدول المجلس فوق كل اعتبار، وكان ممثلو كل دولة في اللجان الفنية يسعون إلى تعزيز وتقوية هذه المصالح. الآن المرحلة الجديدة يجب أن تأخذ منحى آخر، ومنهجًا تفاوضيًّا جديدًا، يجب أن يكون هناك وعي بالسقف العالي الذي وضعه القادة، والهادف إلى مجانسة وصهر هذه المصالح في بوتقة واحدة، حيث تكون الأولوية لمصالح دول المجلس ككل، وليست مصالح كل دولة دون الأخرى. الخطر الكبير الذي سيهدد هذه المرحلة سيكون عندما يعمد ممثلو الدول في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية إلى تخفيض مستوى السقف، وجعله دون مستوى طموحات القادة.
المرحلة السابقة ـــ التعاون ـــ كانت تتضمن قوة وهيمنة للمؤسسات السياسية والاقتصادية الوطنية على عملية اتخاذ القرار وعلى عملية رسم الرؤى والاستراتيجيات. في السابق كانت الأمانة العامة تسعى فقط إلى تنسيق هذه الرؤى ومحاولة التوصل إلى صياغة مرضية لجميع الأطراف، ما جعل عملية اتخاذ القرار عملية بطيئة، ولا تتناسب مع طموحات أبناء دول المجلس. المرحلة الحالية ـــ الاتحاد ـــ تتطلب أن يكون هناك تفويض من قبل المؤسسات الوطنية لجهاز الاتحاد للتحرك بشكل أكثر حرية ومرونة لتحقيق أهداف الاتحاد العليا، بما في ذلك عملية رسم السياسات والاستراتيجيات، وفقًا للتفويض السياسي الذي سيعطيه قادة دول المجلس لجهاز الاتحاد. لذلك أعيد التأكيد على الدور والمسؤوليات الكبيرة التي سيتحملها ممثلو القادة في اللجنة التي كلفت بوضع اللبنات الأولى لهذا الاتحاد، حيث سيكون لما ستضعه تأثير كبير في صياغة ورسم مستقبل الاتحاد خلال السنوات المقبلة. ولنتذكر أن ما يبدأ ضعيفًا سيستمر ضعيفًا، وما يبدأ قويًّا وعلى أسس راسخة، فإنه سيستمر قويًّا، لذلك فإنه من المهم أن يبدأ هذا الاتحاد قويًّا لضمان تحقيق طموحات قادته وأبنائه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي