رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لا يليق أن نبقى دائما في المؤخرة

تطالعنا الجهات المعنية بقياس وتقييم الأداء حول العالم بتصنيفات جديدة ونتائج حديثة تقيم أداء المؤسسات والمنظمات والجامعات حول العالم بين الوقت والآخر. فتارة يظهر لنا معيار يصنف الجامعات، وتارة أخرى يظهر لنا مؤشر يقيس أداء الجودة في بعض المنظمات، وثالث ينشر نتائج معيار يقيس مدى مشاركة القطاع الخاص في التنمية، ورابع يبرز لنا أداء بعض منظمات الدولة نحو تحقيق امتياز الأعمال واتجاهها نحو الجودة الشاملة.
وهناك دول يتصدر أداء مؤسساتها قائمة أداء مؤسسات دول العالم، فنجد المنظمات الأمريكية والفنلندية، على سبيل المثال، تحصل دائما على معايير عالية في غالبية هذه التصنيفات، وبرهنت هاتان الدولتان أن مؤسساتهما تسير نحو الأداء الجيد وفقا للمعايير الدولية والإقليمية. بينما نجد دولا أخرى يتباين أداء منظماتها بين الأداء المتميز في بعض القطاعات والأداء المتواضع في قطاعات أخرى. فلو أخذنا قطر، على سبيل المثال، نجد أنها حصلت على تصنيف عال في بعض مرافقها وخدماتها، بينما حصلت على تصنيف متواضع في جوانب أخرى. وجميع مؤسسات دول العالم التي يجرى عليها التصنيف وقياس الأداء لا تخرج عن هذين المبدأين، إما تميز في القطاعات كافة وإما تباين في الأداء، ولم يشذ عن هذا إلا منظماتنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الحكومية وغير الحكومية الكبيرة منها والصغيرة، العريقة منها والوليدة، فنجد أن جميع منظماتنا بلا استثناء تقبع دائما في ذيل القائمة وتصنف عادة في المؤخرة.
وآخر هذه التصنيفات ما توصل إليه مؤشر الإيكونوميست الذي نشرت صحيفة ''الرياض'' جزءا منه مطلع هذا الأسبوع. وركزت صحيفة ''الرياض'' على النتائج التي تخص دول مجلس التعاون ووضعت مقارنة بين أداء منظماتها. بمعنى أن التقرير ركز فقط على قياس أداء منظمات دول مجلس التعاون الست واستثنت البقية. وحتى نعرف بالضبط مأساة منظماتنا فقد وضع مؤشر الإيكونوميست المملكة في المرتبة الرابعة بين دول مجلس التعاون بخصوص الفرص الاستثنائية للمرأة، أما بخصوص التمويل فقد جاءت المملكة في المؤخرة برصيد 37.1 نقطة، كما بين التقرير أن الفرص الاقتصادية في المملكة تعد الأضعف خليجيا، أما نسبة عمل المرأة في المملكة فقد بلغت نحو 5.5 في المائة، وهو ما يمثل المعدل الأدنى في مشاركة المرأة في القوى العاملة على مستوى العالم. وبهذا نجد مؤسسات الدولة والقطاع الخاص في المملكة تراوح بين المرتبة الأخيرة وما قبل الأخيرة في بقية البنود. ونحن نتساءل، ومن حقنا ذلك: لماذا يبقى أداء منظماتنا متواضعا ونقبع دائما في المؤخرة أو ما قبل الأخير؟
والشيء الذي لا نجد له معنى هو أنه عندما تنشر مثل هذه الحقائق تبدأ منظماتنا كالغرف التجارية والجامعات والوزارات وكل من له علاقة، تبدأ تفسر هذه النتائج وتختلق الأسباب والمبررات حتى لو اضطرت إلى التشكيك في المعيار نفسه. كما حدث عام 2006 عندما قامت وزارة التعليم العالي بالتشكيك في المعيار الإسباني وقالت إنه جانب الحقيقة، وبعدها بسنوات عدة أصبحت تتفاخر بأنها حصلت على تصنيف مرتفع في التصنيف ذاته، وفي النهاية عرفنا آليات الجامعات في الحصول على المعايير، فلم تنل تلك المكانة الرفيعة بالعمل الجاد، بل بطرق ملتوية لا تخفى عليكم!
لا نريد مبررات ولا نريد رمي التهم ذات اليمن وذات الشمال، كما نرجو البعد عن التشكيك في هذه المعايير وتلك المؤشرات وعدم النيل من هذه المقاييس، فمن المستفيد من وضعنا في المؤخرة أو أن نتصدر دول العالم؟ دعونا من كل هذا ولنبدأ بالعمل الذي ينتشل منظماتنا مما هي فيه ويجعلنا نباهي بها. وهنا أريد أن أذيل مقالي ببعض الاقتراحات التي قد تعيننا على أن نبدأ الخطوة الأولى نحو تصحيح وضع مؤسسات الدولة، فلا يليق بنا أن نبقى دائما في المؤخرة.
يجب أولا وقبل كل شيء أن نعترف بأن لدينا بالفعل خللا، وأن منظماتنا لا تؤدي دورها كما يجب. ثم نسأل منظماتنا ووزاراتنا وإداراتنا وجامعاتنا: لماذا هذا الأداء المتدني وهذا العمل غير المرضي؟ نحن نعيش في بلد تهمنا سمعته ونريد أن نباهي بإنجازاتنا الأمم، وهذا لن يتحقق إلا بالوقوف على لب المشكلة والتعرف على أسباب تفاقم المعضلة، ولماذا تخسر منظماتنا الرهان وتقع دائما في ذيل القائمة؟ ثم نقوم بتتبع الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الكارثة بكل تجرد، فعهد المجاملات والمداهنات لم يعد له وجود. وعندما تتضح الأسباب ستظهر أمامنا الحلول المنطقية فنقوم برسم خطة استراتيجية لعدة سنوات كل سنة تتضمن إنجاز عدة مهام تسير عليها المنظمات والمؤسسات بحيث نقيم أداء المديرين والقياديين بناء على إنجازهم الأهداف المرسومة في الخطة دون أن يقوموا بتغييرها. فالأهداف التي وضعت من قبل تعد خطوطا حمراء يجب عليهم اتباعها بكل دقة ولهم الحرية في أن يصولوا ويجولوا، لكن دون المساس بالخطط. وعلينا ألا نستعجل النتائج، فهذه تحتاج إلى وقت طويل، لأن الأمر يتطلب تحسن الأداء، ولفعل ذلك يجب تغيير قيم قد أصلت وأعراف قد رسخت. لذا نرجو من منظماتنا أن تبتعد عن الحلول السريعة والطرق الملتوية، كما فعلت بعض مؤسساتنا عندما أرادت أن تسابق الزمن، فتركت العمل الجاد وشرعت في تنفيذ حلول مختصرة وخطط معلبة لم تزدها إلا تأخرا وإحباطا وبعدا عن أخلاقيات المنافسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي