الثروة السمكية وغياب التخطيط التكاملي
الإعلان عن توجه المملكة لتصدير الأسماك ونقل قطاع الثروة السمكية نقلة نوعية في غضون عشر سنوات، أمر طال انتظاره وبدا أنه سيتحقق حسب تسليط الضوء على جهود صندوق التنمية الزراعية ووزارة الزراعة أخيرا. الآن لا يمكن إلا أن نسجل تحية إعجاب وتقدير للوزارة والصندوق فقد كرسا جهودا جبارة للوصول لهذه المرحلة ولا يعرف ذلك إلا المهتمون والممارسون في هذا المجال، حيث قضوا عقودا يكافحون للبقاء في مجال غير جاذب اقتصاديا أو مهنيا سواء محليا أو خارجيا. كما تُشكر منطقة مكة المكرمة على تبنيها تعميق النظرة في هذه الدراسات والتأني في إكمال بعض الجوانب لتكون شمولية وتحقق أهدافها بأفضل الطرق والوسائل، مستغلين كل إمكانية لإنجاح هذه الصناعة بشكل عام. إيجابيتنا الآن أن نتحرك من مسؤولية اجتماعية نحو التطوير والتحسين، واضعين أيدينا في أيدي الفريق المكلف بالعمل تخطيطا وتنفيذا محليا كان أم أجنبيا لتكن الانطلاقة في كل اتجاه منهجية منظمة تبدأ من قواعد متينة وراسخة وتنتهي في القمة.
في البداية الأمل معقود على أن تكون كلية علوم البحار في جامعة الملك عبد العزيز في جدة بكامل أعضائها بجانب المتخصصين في جامعتي الملك سعود وجامعة جازان ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في مقاعد القيادة والاستشارة كمسؤولين عن تنفيذ هذه الخطة مع أي فريق تعتمد عليه وزارة الزراعة والصندوق في التخطيط والتنفيذ. من ناحية أخرى، لحوض البحر الأحمر مستشارون في الهيئة العامة للسياحة والآثار وهم من أساتذة سابقين جمعوا خبرة واقعية ميدانية في شتى المجالات التي من ضمنها الثروة السمكية. أما من ناحية أسماك المياه العذبة، فالمتوقع أن يكون هناك تكامل مع وزارة المياه والكهرباء لإكمال أطر الصورة المأمول رسمها للاستثمار في هذا القطاع. أما هيئة الغذاء والدواء فلأنها المسؤولة عن وضع ونشر المعايير اللازمة لسلامة الأغذية بأنواعها المختلفة ويمكن أيضا أن توجد معايير محلية لبيئات التربية والتنمية والتغذية، فمقعدها سيكون محجوزا لها في كل المراحل لضمان توفير أغذية آمنة وصحية للمجتمع.
إن التركيز على مؤسسات التعليم العالي الأكاديمية والمهنية، إضافة إلى هيئة الغذاء والدواء وهيئة السياحة سببه أن أعضاء هيئة التدريس والباحثين يتميزون عن غيرهم بالقدرة على السير بالمشروع من القاعدة وحتى رأس الهرم بأسلوب منهجي. كما يستطيعون الإدلاء بالإجابة العلمية الدقيقة والشاملة على أسئلة محورية مهمة تكون عادة مثل: (1) أي الأسماك أفضل وأكثر أمانا للاستزراع والتربية والاستثمار؟ وأي البيئات موفر أو يحتاج إلى توفير بخواص ومكونات معينة؟ (2) ما مدى توافر الضوابط والبنى التحتية والأذونات والتصاريح للاستزراع وحماية البيئة وأمن الفرد أمنيا وصحيا في الوقت نفسه؟ (3) ما مدى توافر القوى العاملة المدربة على ذلك أو الممكن تدريبها في قطاع يعتبر غير جاذب لشريحة كبيرة جدا من الشباب؟، (4) ما أفضل البرامج السريعة والحوافز الملائمة لإيجاد القوى العاملة المناسبة للعمل في هذا المجال؟ والتدريب المستمر المؤدي من قبل المختصين في المجال؟ لذلك فتكامل جهود الفريق الاستشاري مع الخبرات المحلية ستضمن الديمومة للمشاريع التي ستكون مثمرة ـــ بإذن الله ـــ.
كنتيجة لتنفيذ المشروع سنكون (اقتصاديا) بعد عقد من الزمان منافسين للصين والهند وكوريا واليابان في آسيا وبيرو والأوروجواي والأرجنتين في أمريكا اللاتينية وغيرها من الدول في القارات الأخرى. إن تنافسنا مع الدول المتقدمة في هذه الصناعة ليس على مستوى تصدير كم كبير من الأسماك أو تنويع المزارع أو استخدام التقنيات، ولكن سيكون عبر اكتفائنا محليا ومن ثم اكتفائنا خليجيا. وإذا ما حسنا النوعية وأجدنا الأداء واستخدمنا التقنيات، فإن دخولنا مرحلة التصدير مستقبلا سيتطلب كياسة اقتصادية عصرية للدخول في المجال وحمايته والنمو فيه بتوازن، حيث إن التنافس سيواجه تحديات من الأولى التعرف عليها مسبقا.
مناطقيا.. فالمجالس لديها تصورات عن المناطق السكنية والمناطق السياحية والمناطق التي يمكن استثمارها في هذا المجال وغيره، وبالتالي ضمان تحقيق الاستدامة لمثل هذا الاستثمار المهم هو عبر التواصل التكاملي بين الجهات الرسمية حكومية وخاصة مما يساعد على تأسيس شراكة من شأنها أن توفر حماية متبادلة للمشاريع المتنوعة بين القطاعات ذات العلاقة، وتُؤمِّن نشاطا استثماريا سياحيا في المواقع المناسبة من دون التأثير في المساحات المائية المخصصة للفرد حسب المعايير الدولية.
من ناحية تدريب الموارد البشرية الممارسة حاليا والمتوقع جذبها للعمل في القطاع، فالبرامج المصممة والمعدة لفئات مختلفة مستهدفة في البرنامج لا شك أنها ستراجع وتبنى مع مؤسسات التعليم العالي المهنية والأكاديمية وستكون العقبات بذلك ضربا من التاريخ لمواءمة الفكر مع متطلبات هذا الزمن.
الحديث قد يمتد لما لا نهاية في موضوع نتوقع له انطلاقة صاروخية بعد اكتمال الدراسة والتصريح بالبداية، وبالتالي قد أختم بالتركيز على الاهتمام بالكفاية وتحقيق الجودة غذائيا وصناعيا وسعريا طبعا، ثم نفكر في التوسع في التصدير والاستثمار الخارجي سواء في المياه المالحة أو العذبة لأن في ذلك مسؤولية يتحملها المهتمون بالقطاع تجاه المجتمع.