حيرة التويجري
ارتفع أداء السوق حيث سجل المؤشر 21 في المائة هذا العام حتى 30/3/2012، ولكن المؤشر يخفي ما هو أعظم حين يأتي الأداء من القطاعات الأضعف في السوق وفي فصيلة جديدة من الوسطاء كحراس متقدمين للمضاربين. الشعب يريد أن يرتفع المؤشر، ولكن ارتفاع المؤشر يحمل مخاطر ليست ببعيدة عن تجربة 2006. الفورة الحالية مثل سابقتها تختلف في المكونات والتفاصيل ولكن الجوهر واحد؛ في ظل غياب علاقة سوق المال (تكلفة رأس المال) عن الحركة الاقتصادية تتغلب الحالة النفسية ودوافعها لاستغلال التجاذبات كمحرك أساسي للسوق. حيرة التويجري تأتي في كيفية الحفاظ على سلامة أموال الناس من ناحية (ليست واضحة في مدى سلطة الهيئة) والسماح للفوضى التي يصعب تصنيفها من ناحية أخرى (خاصة أن أغلبها يأتي تحت مسمى حرية التجارة).
في ظل هذه الحيرة هناك حقائق وجزئيات مهمة لا يمكن إغفالها، أولها أن أغلب الشركات (كعدد وليس كرأس مال) ليست ذات قيمة اقتصادية؛ فالسوق يعاني انفصاماً في الشخصية، فعلى سبيل المثال أغلب شركات التأمين (تشكل 2 في المائة من السوق)، وأغلب شركات الاتصالات والشركات الزراعية وجزء معتبر من قطاعَيْ التجزئة والإنشاءات ذات أداء ضعيف وهي أقرب للمقامرة المشرعنة منها إلى الاستثمار. ثانياً في ظل غياب اقتصاد رتيب تلعب السيولة (بمعنى عرض النقود وتوفير التسهيلات) دوراً كبيراً في الموجات اللاحقة للمضاربة، حيث الموجات الأولى مصدرها نفسي في الأساس وتحول في محافظ الاستثمار (بعد ركود سوق العقار). ثالثاً ثقافة المجتمع حيث استوطن في ثقافته الفصل بين المال والعمل، ولذلك فإن سوق الأسهم أبسط وأسهل وسط لهذه الظاهرة. رابعاً ظاهرة دخول الكثير من المؤثرين في التلاعب في السوق وتطور ظاهرة القدرة على التهرُّب من سطوة الهيئة، وأيضاً بسبب الفجوات في المعلومات وعدم تماثلها بين البائع والمشتري.
ما الحل؟
لا أعتقد أننا سنصل إلى مستويات ما سبق في كارثة 2006، ولكن حتى نصف تلك الكارثة كبير، خاصة في ظل التجربة وتطور الهيئة. لا أحد يقصد القضاء على المضاربة فهي ضرورية (لحاجة السوق إلى السيولة بمعنى وجود البائع والمشتري دائماً)، ولكن الهدف هو إدراك الرقم الصعب في توازن يخدم سوق المال (آلية وتسعير لرأس المال) وملاذاً آمناً للمستثمر إذا كان الهدف حماية الناس ورفع كفاءة الاقتصاد.
السوق يعاني فقاعة كبيرة في جزء صغير منه ولكنها تحمل مخاطر مؤثرة. حيرة الدكتور التويجري ليست سهلة، خاصة أن السوق السعودية ليست قابلة للقياس التدريجي not scalable (وهذا بسبب اعتماده على السيولة والنفسية وانفصاله عن المعطيات الاقتصادية ـــ ظاهرة في كل الأسواق ولكنها أكبر في السوق السعودية)، بمعنى أن زيادة العرض المؤثر للحد من المضاربة قد تهوي بالسوق مما يسبّب خسائر للضحايا المتأخرين والذين بدأوا بالاقتراض بتشجيع من المصارف. في نظري هناك خطوات إجرائية عدة لاحتواء الموجة، منها: أولاً إعلان أسماء كل البائعين والمشترين يومياً، خاصة في الشركات الصغيرة، ثانياً إعلان تعقب (الوسطاء الجدد) وأسمائهم وتداولاتهم في السوق من خلال المباحث الإدارية، حيث إن هؤلاء يخالفون الأنظمة بإدارة أموال الغير دون ترخيص (وصل التخفي إلى أن الأجر يدفع نقداً أو أراضي)، ثالثاً التسريع بالإصدارات الجديدة وإعلان جدول زمني واضح للعيان، وأخيراً مراقبة المصارف لتحجيم الشراء على الهامش الذي يزيد من حدة التذبذب.