لا أمان لأمريكا في بلاد الأفغان
عند ما أقدمت مجموعة من الجيش الأمريكي المحتلين ظلماً وعدواناً في أفغانستان على التبول كرَّمكم الله على أجساد الموتى، قال المسؤولون في الحكومة الأمريكية إن تلك حالة شاذة. وعند ما أحرق جنود الجيش الأمريكي نسخاً من القرآن الكريم أمام مجموعة من الأفغان احتقاراً لمعتقداتهم الدينية واستكباراً في الأرض، أعادوا الأسطوانة" نفسها وقالوا إنها حادثة شاذة. ولا نستبعد أن ينعتوا ذلك الجرم الفظيع الذي ارتكبه جندي أمريكي، أو مجموعة من الجنود، في منتصف ليلة مظلمة بقتل أكثر من 15 طفلاً وامرأة وبعض الرجال بدم بارد وهم نائمون في دُورهم، أن يضفوا عليه أي صفة من الصفات التي تظهر ذلك العمل الجبان بأنه نتيجة لخلل في عقل الفاعل! ونحن نتفق مع التعبير الأخير إذا عممنا المقولة على جميع أفراد الجيش الأمريكي، وهو نفسه الذي دمر العراق وقتل وشرد الملايين من أبناء الرافدين استجابة لرغبة صهيونية لا تخدم المصالح الأمريكية. وتخيلوا لو أن أفغانياًّ حمل سلاحاً فتاكاً وصوَّبه نحو نحور عائلات أمريكية وهم نائمون في بيوتهم وقتلهم جميعاً، ماذا سيكون رد فعل الشعب الأمريكي والحكومة الأمريكية؟ هل سيبحثون عن عذر للقاتل أو يعتبرون الحادث حالة شاذة من الممكن التغاضي عنها؟ حتماً سيحمِّلون المسؤولية ليس فقط شعب هذا الرجل بأكمله، بل معتنقي ملته، كما اعتادوا أن يفعلوا في مناسبات كثيرة. فمعروف عنهم أنهم يستخدمون في تعاملهم مع الآخرين مكاييل عديدة حسب شهواتهم وما تقتضيه مصالحهم، حتى ولو كان في ذلك غبن للطرف الآخر. ومن الأرجح أنهم سيُعِدون لذلك الجبان المجرم محاكمة صورية وتحكم عليه بالسجن "المرفَّه" لمدة قصيرة، ليخرج بعدها حرا طليقاً!
ومن المضحك المبكي أن الولايات المتحدة كانت من أشد المتحمسين لطرد جيوش الاتحاد السوفياتي من الأراضي الأفغانية التي جثمت عليها من أيلول (سبتمبر) 1979 حتى شباط (فبراير) 1989. وصرفت أمريكا الكثير من المال وقدمت الكثير من السلاح للمجاهدين الأفغان. وعند ما تحررت بلاد الأفغان من الاحتلال الروسي الغاشم بفضل من الله ثم بسالة شعبها، انقض الأمريكيون عليها بشراسة جعلت الاحتلال الروسي عنده نعمة. فما ذنب الأفغان وما مبررات العدوان؟ إنه وجود بن لا دن على أرضها. وبن لادن كما هو معروف كان متهماً بأنه كان وراء أحداث 11 سبتمبر عام 2001. وسواء كان له يد مباشرة فيها أم أن أطرافا أخرى مجهولة هي التي لعبت الدور الرئيس في هدم أبراج نيويورك، فالشعب الأفغاني لا ناقة له فيها ولا جمل. وكون بن لادن آنذاك يعيش فوق تربة بلادهم لا يعطي أمريكا الحق في أن تُعاقب شعباً أعزل بأكمله وتُدمر حاضره ومستقبله. فأي قانون أو شريعة تعطي لهم هذا الحق المطلق وأي ضمير حي يسمح لهم بارتكاب هذه الجرائم البشعة أمام سمع العالم وبصره؟ والأدهى في الأمر أن الولايات المتحدة استطاعت بسبب قوة نفوذها السياسي والاقتصادي أن تُجنِّد جيوش حلف الأطلسي من أجل إشراكهم في القيام بالعمليات الإرهابية ضد الحفاة العراة في أفغانستان الجريحة. فلا خوف من الله ولا رحمة بالأطفال والثكالى ولا اهتمام باستنكار المجتمع المدني الدولي. إنه عالم أشبه بالغابة، الحكم والسيطرة فيه للقوي، رغم أنف الضعيف.
وكان باراك أوباما في أول عهد رئاسته قد أظهر رغبة في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان تدريجياًّ، لكن هناك في إدارته وأركان جيشه منْ لا يوافقونه الرأي ويحثونه على التريث غير المُبَرَّر. ومقصدهم أن رجال القاعدة لا يزالون يتواجدون على أراضي أفغانستان. ونحن نقول: ما دام أنكم قد نفذتم حكمكم في زعيم ومؤسس القاعدة، بن لادن، الذي أشعلتم نار الحرب في ديار الأفغان بسبب وجوده هناك، فما الذي يبرر لكم الاستمرار في احتلال البلاد ويعطيكم الحق في قتل شعب مسالم وتدمير حياته ومقدراته على قلتها؟ ويا سبحان الله، حتى الضمائر الأوروبية التي تمجِّد حقوق الإنسان سمحت لنفسها بأن تنساق وراء جنون جنرالات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وغطست معها في وحول ومستنقعات أفغانستان وهي في الواقع لم تكن قط طرفاً في النزاع. وسواء خرجت القوات الأمريكية من أفغانستان الآن أم في وقت متأخر، فهي مُلزَمة بدفع تعويضات كبيرة للشعب الأفغاني تتناسب مع ما سببته لهم من قتل ودمار وتعطيل لمسيرة التنمية الاقتصادية والتعليم في هذا البلد الفقير. والولايات المتحدة البلد الوحيد في العالم الذي لا يعرف العيش بدون حروب. فمنذ أن قررت الحكومة الأمريكية الانفتاح ومد نفوذها خارج حدودها وهي تنتقل من تدخل عسكري إلى آخر. وقد وجدت زوال ما كان يُسمى الحرب الباردة وتفردها بزعامة العالم فرصة لا تُعوَّض من أجل فرض سيطرتها على أي مكان في العالم تختاره هي ليكون مسرحاً جديداً لعملياتها العسكرية العدائية، غير آبهة بالنتائج المدمِّرة لحياة الشعوب المستهدَفة.