تهاوي دعاوى الإغراق
بعد معاناة مع دعاوى الإغراق استطاعت المملكة أن تتجاوز تلك المرحلة بانتصار قانوني وفي أكثر من موقع وفي جميع الدعاوى المرفوعة، التي كان من الواضح أنها دعاوى انطلقت من محاولة فرض معوقات ضد تصدير المواد البتروكيماوية، لأن من أقاموا تلك الدعاوى نظروا للمملكة على أنها بلد مصدر للبترول الخام فقط، وهي بلد مستورد من الدرجة الأولى، لكن في ظل قوانين منظمة تحرير التجارة العالمية ليس بالإمكان سوى استخدام الوسائل القانونية المنصوص عليها في الاتفاقية العامة وملحقاتها التي تنظم آلية التعويض عن الأضرار الناتجة عن تصرف طرف آخر، حيث تكون العقوبة فرض رسوم توازن بين الأسعار في الدولتين.
لقد أشاد مجلس الوزراء بإنهاء كل القضايا المرفوعة ضد منتجات المملكة في دول عدة منها تركيا والهند والاتحاد الأوروبي، ومع أن إنهاء هذه القضايا تم خارج مظلة منظمة التجارة العالمية وبالتفاوض الناجح بين المملكة وتلك الدول التي تبنت مواجهة صناعة البتروكيماويات السعودية وإعاقة مسيرتها الناجحة، لذا فإن إغلاق تلك الملفات يسجل انتصارا قانونيا واقتصاديا وسياسيا، خصوصا في ظل المنافسة الشرسة التي يتم فيها تسخير القانون كأفضل أداة تحقق تمييز المنتجات المحلية ضد المستوردة ومن خلال دعوى الإغراق التي أسيء استخدامها كثيرا حتى بدت ترتيبا مسبقا ضد أي منتج منافس.
إن العمل الجماعي ومن خلال فريق يتبنى القضية ويدافع عنها ويحرص على نجاحها هو الأسلوب المتبع في الساحة الدولية مهما كان حجم القضية وأهميتها، ومع أن عمل اللجان لدينا غير مشهود له بتحقيق أهدافه إلا أن الدرس المستفاد من تأخر انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية حتى تم تشكيل لجنة فنية متخصصة ومدعومة على مستوى عال من متخذي القرار خلق القناعة بأن العمل في النطاق الدولي يختلف جذريا عن العمل في النطاقين المحلي أو الإقليمي، حيث تظهر أهمية تشكيل الفريق الواحد وتحديد مهمته وأهدافه وأسلوب عمله ومرجعيته الإدارية وتجاوز معوقات النجاح وأولها الروتين القاتل لروح العمل وضياع الوقت في إجراءات عديمة الفائدة لأهداف فريق العمل.
ومن المستغرب أن السوق السعودية الغارقة في منتجات مقلدة تتضمن الاعتداء على حقوق الملكية الصناعية والتجارية وأحيانا حقوق المؤلف لم تفتح دعاوى إغراق ضد تلك المنتجات والدول والشركات التي ترى في سوقنا المحلية ساحة مشرعة بلا قانون يحمي المستهلك حتى أصبح سوقنا ساحة تجارب أولية لكل المنتجات وربما دفع كل هذا الانفتاح في الأسواق إلى إنشاء هيئة الغذاء والدواء لوضع المعايير والضوابط والقيود الصحية التي تحول دون استغلال حاجتنا إلى الاستيراد فقد قامت مصانع رديئة تستهدف المستهلك السعودي وتعمل على صناعة منتجات بمقاييس قوانينا المتسامحة وبأسعار تسهم في دفع تلك المنتجات لأيدي المستهلكين، والأخطر أن ذلك الاستهداف يركز على الغذاء والدواء، وهو الأكبر ضررا على حياة الإنسان وصحته وسلامته.
إن تحرير التجارة العالمية ليس سوى إعادة اتفاق بين الأقوياء على آلية لتقاسم المصالح، فالشركات والمؤسسات الكبيرة التي تدعم الاقتصادات الوطنية هي من تقف خلف كل تلك الدعاوى، ولو طلب من تلك الشركات أن تتقدم في ظل قوانين الاستثمار المشجعة في المملكة لتعذرت بكل الحجج، فأولئك قد تعودوا على الأخذ فقط وليس تبادل المصالح، ومن يتتبع مسيرة الاستثمار الأجنبي يجد أنه بعيد كل البعد عن المساهمة الفعلية في زيادة الناتج المحلي أو توظيف وتدريب القوى العاملة، لذا فإنه ليس هناك شركة حقيقية، بل استنزاف متواصل، وحينما تتحرك الشركات السعودية للوصول إلى الأسواق العالمية نجد أن توافقا غريبا لدى معظم تلك الشركات لتحريك أدواتها في دعاوى إغراق لا تلبث أن تنكشف عن أنها دعاوى ابتزاز تسقطها المفاوضات المتواصلة لإعادة الأمور إلى نصابها.