برامج لتقليص الأخطاء الطبية
لقد نُقل في كل وسائل الإعلام ما نتج عن المؤتمر السنوي الطبي الذي عقد الأسبوع الماضي في جدة تحت عنوان "التحديات في صحة المرأة"، وقد كان من أهم ما عرض هو بحث قام به أحد أساتذة تخصص أمراض النساء والتوليد وعضو الجمعية الذي أعلن عن تفاقم وضع الأخطاء الطبية (بل تضاعف 100 في المائة خلال عام واحد)، وهناك حاجة للتحرك بشكل إيجابي. هذا الموضوع بهذه النتائج مع كل الجهود التي بذلت يعني أنه للآن لم يحظ بدراسات متعمقة ولم نقس بعد تأثير هذه الجهود على أرض الواقع. وقد يكون السبب عدم تشكيل محاكم متخصصة، حيث ما زال على مستوى عقد لجان قد تحتاج إلى أن تأخذ صبغة غير التي تمارس حاليا. أو لم توجد بعد آلية لعلاج المشكلة تبدأ من مقاعد الدراسة.
في الواقع لا يعرف الكثير أن أكبر تحد يواجهه الطبيب هو الوقوف أمام قاض مدافعا عن إجراء طبي قام به لعلاج مريض لكنه تسبب في وفاته أو أقعده مدى الحياة أو ما أشبه. هذا التصرف قد يعني لهذا الفرد الكثير مهنيا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا إذا ما صدر حكم يفند ما قام به وأين اتبع الأصول المهنية والأخلاقية أو أخفق أو اجتهد. من ناحية أخرى، فتناول الإعلام لموضوع الأخطاء الطبية غير احترافي، ومن ناحية إدارية أو طبية عدم إخراج الأرقام والتفاصيل المحيطة بالقضايا المختلفة وإشراك المجتمع في المشكلة كوسيلة للتوعية المتخصصة هي أيضا عمل غير احترافي. وأخيرا ضعف أو عدم جعل الموضوع محطة تتناول مواضيعها المؤسسات المعنية (التعليمية والخدمية) بالبحث والدراسة أيضا غير احترافي. هنا يكمن الطلب الذي أتوقع أنه سيغير النظرة لهذا الموضوع.
هذه الدراسة التي أعلنت في المؤتمر وضعت أيدينا على الجرح، وبنتائجها مع تنامي أعداد المرافق الصحية المختلفة وأعداد الأسرة على مستوى المملكة، أصبح من الضروري أن (1) يعقد مؤتمر دوري يتابع ويناقش الأخطاء الطبية بوجهة نظر طبية وشرعية ولا بد من نشر الأرقام والتخصصات وفئات الممارسين الصحيين التي يمكن أن تكون محاور المشكلة. (2) تنشأ محكمة متخصصة في كل منطقة لا تتأثر بغياب قاض أو إهمال إداري أو تأخر طبيب لأنه لا شأن لها سوى هذا الموضوع وتستخدم أحدث التقنيات حتى لا يكون فارق الزمان والمكان عائقا. (3) تكثيف تسليط الضوء على الأخطاء الطبية منهجيا وبعد التخرج من خلال الدورات التأهيلية والتطويرية في كل مجال طبي. (4) تخريج محامين متخصصين في المجال الصحي ومن ثم تدريبهم على أن يكونوا مدربين لمقدمي الخدمات الطبية والصحية في سبيل تأهيلهم لمواجهة هذه المواقف والتفكير فيها قبل وقوعها. (5) إعداد وتصميم برامج محاكاة تعتمد للممارسين الصحيين كافة يمكنهم الانخراط أو التسجيل فيها بعد التخرج وخلال فترة العمل ولا بد من إعادة حضورها كل ثلاث سنوات لما يكتنف هذا المجال من تغيرات وتحديثات مستمرة حري بكل الممارسين الصحيين الاطلاع عليها واتباعها والالتزام بها. (6) الاهتمام بالمرجعية الموحدة للأرقام وقد يكون ممثلا في الجمعيات العلمية الطبية السعودية أو الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أو مصلحة الإحصاءات العامة أو بالطبع وزارة الصحة. في حالة الأخيرة لا بد من آلية تقنية حديثة لئلا تكون خلف الحدث معلوماتيا وتنهال عليها الاتهامات وهي بريئة مما يقولون.
حاليا الضوء مسلط على أهلية الطبيب (كونه الأكثر اتهاما مؤقتا) وقدرته على تخيل نفسه خلال الكشف الطبي أو معالجة المريض متوقعا ما يمكن أن تنتهي إليه الحالة، ومدى استعداده النفسي لمواجهة تحول القضية إلى القضاء. من ناحية أخرى، هناك تطلع من المجتمع إلى ذاك القاضي المطروحة في جلسته القضية أو مستقبلا المحامي الذي إذا ما ترافع في القضية كان مقنعا أم غير ملم بجوانب الموضوع. هذا يستدعي التوجه نحو التخصص من الآن فصاعدا، فالأطباء في حاجة هم والممارسون الصحيون إلى التدريب على الرد والحاجة إلى تأهيل محامين متخصصين للقضايا الطبية الشرعية لضمان سلامة القيام بالمهمة حسبما يحق الحق. فهناك (1) مسؤولية مدنية، وواجبات وأخلاقيات مهنية، فتطوير مهارات الاتصال جزء مهم في هذا الجانب. كما أن هناك (2) إجراءات قانونية وأخرى إدارية تجعلنا نميز بين الشؤون القانونية والطبية، والفروقات بين الشهادة والإدانة وموقف مقدم الخدمة في كل جانب. وهناك (3) مواقف وظروف مختلفة دائما تحتم استخدام أساليب في تناول القضية واختيار جمل كلامية تقود الحكم إلى أسلم طريق وآمن نهاية للأطراف كافة. هذه من شأنها تطوير مهارات التفاوض القانونية من خلال المشاركة في المفاوضات عن طريق المحاكاة مثلا. كما أن من شأنها إيجاد قاعدة تعليمية حديثة في دراسات العلوم الطبية التطبيقية والطب بمجالاته المختلفة ترفع من مهارات المتعلم أو المتدرب المهنية والذهنية عند التحليل وإعداد الردود العلمية المناسبة.
أما اقتصاديا فما زال الوقت أمامنا لنضع حجما لنتائج الأخطاء الطبية السلبية أو المضاعفات إن كان ذلك ما تم التوصل إليه. فالدراسات ستوجه التعليم الطبي والوسائل المستخدمة في إيصال الرسالة، والخدمات الطبية وأسلوب تقديمها، والقرار الاستثماري عند استقطاب طبيب مختص أو تبني أسلوب علاجي معين. هذا حتما سيضع حدا للإهمال وتعدي المسؤوليات والتخصصات ويرسم شكل العلاقات العامة والخاصة لأنه يعني مكسبا أو خسارة. وبالطبع يعني الحد من ارتكاب أخطاء طبية أكثر.