المحمل المصري وثّق للوحدة الثقافية بين مصر والحجاز
يشهد صالون الوادي المبارك في نادي المدينة المنورة الأدبي حراكا ثقافيا منذ تدشينه مطلع العام الحالي عقب فتور أصاب المشهد الثقافي في المدينة النبوية لأعوام عدة، خصوصا فيما يتعلق بغياب أسرة الوادي المبارك التي انطلقت مشروعاتها الأدبية في نهاية حقبة الستينيات من القرن الميلادي الماضي.
ويطرح الصالون الثقافي موضوعات ذات صلة بالجدل الثقافي والتاريخي الخاص بالمواقع والآثار المحفوظة في ذاكرة أبناء المدينة المنورة والمملكة بشكل عام، محاولا إيجاد الإجابات عن أسئلة ما زالت تدور في أذهانهم عن مواقع تاريخية شهدت مآثر ثقافية ووقائع سجلتها الذاكرة الشعبية لأبناء المنطقة.
وشهد الأسبوع الماضي نقاشا ثريا حول حقيقة المحمل المصري، الذي ما زال أبناء المدينة القدامى يذكرون مآثره ومواسم عطائه المادي والثقافي حين يصل في مواسم العمرة المختلفة إلى الجهة الغربية من المسجد النبوي الشريف، موزعا بعض خيرات مصر وأجزاء من فنها وثقافتها على أبناء المنطقة المنفتحين بحكم التخصص والموقع على ثقافات الآخرين، خصوصا من المسلمين المعتمرين.
#2#
وتطرق الباحثون في الصالون الثقافي إلى حقيقة الأثر الثقافي بين مصر والحجاز، مبتدئين من محطات العمرة الرئيسة في ذلك الوقت التي تمر بها أبرز القوافل القادمة، خصوصا من جهة أرض الكنانة.
وقال الباحث عدنان عيسى العمري في ورقته المعنونة بـ (الجديدة أشهر محطات الطريق السلطاني) إن هناك عددا من الأخطاء التي وقع فيها جملة من الباحثين في تحديد موقع الجديدة غرب المدينة المنورة، والتي تشمل قريتي ''خيف الحزامي''، و''أمذيان''، مشيرا إلى أن البعض يعتبرها اندثرت، فيما ذهب أحد الباحثين إلى أنها اسم ''قبيلة'' وليست ''منطقة''، وأشار الباحث في ورقته التي قدمها في الصالون إلى أن المحمل المصري قديما وثق الوحدة الثقافية بين مصر والحجاز.
وأكد العمري في ورقته، التي قدم لها المشرف على صالون الوادي المبارك الدكتور هاني فقيه، أن الجديدة تعد واحدة من المحطات الشهيرة فيما كان يسمى قديما ''الطريق السلطاني'' التي وقعت فيها أشهر المعارك بين الإمام عبد الله بن سعود - رحمه الله - وطوسون باشا عام 1226هـ، وتميز في موقعها الجغرافي بوفرة المياه، وأضاف أنها تقع في مضيق بين الجبال، فيما تشتهر بواحات النخيل والمياه لذلك كانت القوافل بحسب - عدد من المصادر التاريخية - التي أوردها العمري تقف فيها للاستراحة.
وأشار العمري وسط حضور عدد من المهتمين إلى أن أشهر من ذكر منطقة الجديدة هو عبد القادر الجزيري، وذلك في بداية القرن العاشر، حيث تشير المصادر إلى أنه حج ممتطيا ذلك الطريق لمدة 30 عاما، ووصف في مدونته الثقافية تلك القرية بأنها ''قرية صغيرة بين جبال وعشش وحدائق ونخيل، يطيب عندها النزول والرحيل''، ومضى الجزيري بالوصف نقلا عن الباحث عدنان العمري: ''تلك القرية جبالها شامخة عالية ونخلها وأرطابها متدانية والعين التي يستسقي منه الحاج تسمى أم زيان''، وأشار الباحث العمري إلى أن الصواب هو ''أم ذيان''. وذهب الجزيري كذلك إلى أن في منطقة الجديدة عين ثانية هي أحلى من الأولى تسمى ''الحزامى''.
وكان الباحث عدنان العمري قد شرع ورقته بذكر أوصاف المحمل المصري، مشيرا عبر جهاز العرض إلى أنه عبارة عن هيكل خشبي ''مخروطي الشكل'' وكان يحمل فوق الجمال، ويطلق عليه مصطلح ''المحمل الشريف'' حيث يشمل مرتبات الصرة، وموظفي قافلة المحمل والأهم من ذلك كسوة الكعبة الشريفة ونفقاتها.
ويرى الباحث العمري أن المحمل ليس مجرد شكل هرمي بقدر ما يمثل معنى وقيمة وفائدة في ذلك العصر، حيث كان من أسباب رواج التجارة البرية بين مصر والحجاز، حيث كان يصاحبها بعض التجار الذين يبيعون بضائعهم في أسواق الحجاز ويشترون من أسواقه، فتكونت حينها شركات تجارية بين مصر والحجاز تنقل الحجاج وتقدم لهم المؤن والطعام طوال رحلة الذهاب، مشيرا إلى أنه أسهم كذلك في تعميق الوحدة الثقافية بين الحجاز ومصر من خلال تردد علماء مصر ومشايخ الأزهر على الحرمين الشريفين، وأضاف أن المحمل يمثل مرحلة زمنية لها ظروفها وأسبابها، وانعكست فوائدها على السكان في تلك الحقبة ''اتفقنا مع المحمل أم لم نتفق''.
وعدد الباحث في استعراض تاريخي عددا من القرى التي تمر بها القوافل عبر الطريق السلطان من بينها طريق الصفراء وهي قرية ''الواسطة'' والحسنية، وأبيار بن حصاني، وأبيار الشيخ، ومستورة وغيرها، مشيرا إلى ما ورد عنها في المصادر التاريخية.
وشهدت الورقة عددا من المداخلات من الحضور بينها مداخلة الباحث عبد الله مصطفى الشنقيطي، الذي أشار إلى وجود طريق آخر هو طريق الأنبياء، الذي يمر عبر حزمة من القرى من بينها منطقة الروحاء، فيما تساءل المحامي سعود الحجيلي عن عدم ذكر الباحث قرية ''المسيجد'' - غرب المدينة المنورة - وكذلك عدم ذكر سلبيات تلك المرحلة، حيث رد عدنان أنه وثق لتلك القرية تحت عنوان ''المنصرف''، وهي واحدة من القرى التي تشير المصادر إلى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مر بها.
يبقى الأكيد أن مرحلة التوثيق لخط الرحلات القديمة هو عمل كبير بحسب المهتمين لا يمكن لباحث واحد فقط الإلمام بتفاصيله دون الحاجة إلى مؤسسات ثقافية ومراكز بحثية تمتلك الكثير من الإمكانات والعديد من المصادر.