مهر الخادمة
حين أخبرتني زميلتي أنها دفعت 25 ألف ريال ثمن ''نقل كفالة'' لخادمة فلبينية جديدة ظننتها تمزح، حتى أقسمت لي معللة ارتفاع أسعار نقل كفالة الخادمات نتيجة ندرة العمالة المنزلية الفلبينية في سوق العمل الآن، لكن ذلك لم يكن سبباً كافياً لي على الأقل لأقتنع بهذا المبلغ الخرافي! الذي اضطرت صاحبتي باختيارها وبكامل قواها العقلية إلى دفعه مرة واحدة مقابل عاملة منزلية قد تصحو يوماً ما ولا تجدها، بل ستجد باباً موارباً شهد خطة هروب مُحكمة دُبرت بليل!
هذا السعر المبالغ فيه لنقل كفالة خادمة جعلني أتساءل عن ذلك الخوف الذي تخبئه (بعض) النساء في داخلها ولا تستطيع مواجهته؛ لأنها تظن أنها ستفشل إن هي فعلت ذلك.. هل أستطيع العيش دون خادمة؟! سؤالٌ مرعبٌ ربما حتى لشابة صغيرة متزوجة وعاطلة عن العمل، وليس لديها إلا طفلٌ واحدٌ فقط.
سأحدثكم عن أم جاءتني شاكيةً باكيةً تندب حظها لأن ابنتها عنيدة ولا تنصاع لأوامرها، وبعد حوارٍ هادئ معها فهمت منها أن ابنتها تعيش ترفاً يُوشك أن يدخلها دائرة المرض، فخادمتها تحمل حقيبتها صباحاً معها للمدرسة إلى أن تضعها على طاولة الفصل وتعود للمدرسة ظهراً لتحمل الحقيبة نفسها إلى أن تضعها في ركن في غرفتها الوثيرة، وخادمتها تحضر لها جوّالها وتمسكه لها وهي تضغط أزرار الاتصال ثم تظل ممسكة به واضعة إياه على أذنها إلى أن تنتهي من مكالمتها ربما خلال نصف ساعة أو ساعة أو إلى ما شاء الرحمن، وخادمتها ترتب غرفتها وتسرح شعرها وتغسل أطباقها بعد أكلها وتغسل ملابسها، بل تقوم بحل بعض واجباتها المدرسية.. إلخ. وحين طلبت رؤية الفتاة لم أصدم، بل كنت واثقة من الصورة التي تخيلتها عليها فتاة في الـ 15 من العمر وزنها يفوق 110 كيلو جرامات، المشكلة إذن لا تكمن في الفتاة، بل في هذه الأم التي زرعت الاتكالية المفرطة والأنانية واللامبالاة، وحين بدأت الفتاة في التمرُّد وإخضاع مَن حولها لرغباتها، وهذه نتيجة متوقعة، بدأت الأم في ندب حظها كالنائحة الثكلى لا المستأجرة، لأن ابنتها عاقة وعنيدة. وذكرني موقفها بالعالم نوبل، الذي اخترع الديناميت، وحتى يكفر عن ذنوبه في إزهاق أرواح الآلاف بسبب اختراعه المدمّر وضع جائزته للسلام، فهذه الأم تظن أنها تكفر بدموعها عن ندمها في تربية ابنتها بهذه الطريقة المخيفة!
مجرد سؤال: هل سيأتي اليوم الذي نحاول فيه فقط مجرد محاولة أن نستمع بهدوء إلى سؤال ترتجف أحرفه خوفاً من مجرد إلقائه.. هل نستطيع أن نعيش من دون خادمة؟ أو على الأقل الاستغناء عنها لمدة معينة كتجربة تعيشها العائلة بكل تفاصيلها السلبية والإيجابية وتختبر فيها قدرة أفرادها على الاعتماد الذاتي على أنفسهم، ويختبرون جمال التعاون فيما بينهم.
وإلى أن تمتلك إحدى النساء الإجابة بجرأة عن هذا السؤال سأدعو الله ألا تصل قيمة استقدام أو نقل كفالة الخادمة إلى قيمة مهر فتاة بكر تدخل إلى عشها الزوجي وفي انتظارها خادمة تبتسم ببلاهة!