رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الأوضاع الاقتصادية الأوروبية تؤثر في الطاقة المتجددة

في مقالات سابقة أشرنا إلى أن الدول الغربية تتبنى مجموعة من الإجراءات والسياسات في مجال حماية البيئة وتقليل تأثيرات التغير المناخي، أحد جوانب هذه السياسات التوسع في استخدام الأنواع المختلفة من الطاقات البديلة والمتجددة في مجال توليد الطاقة الكهربائية.
في الواقع لقد أبلت صناعة الطاقة المتجددة في مجال توليد الكهرباء بلاء حسنا على مدى العامين الماضيين، ولا سيما في أوروبا، حيث القدرة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة في تزايد مستمر. لكن تزايد المخاوف من حدوث ركود مزدوج في أوروبا والولايات المتحدة، وصعوبة الحصول على التمويل اللازم لإدامة الإنتاج والنمو جعل الأمور صعبة، إن لم تكن مستحيلة لعدد من مصنعي معدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة.
في عام 2010 أضافت صناعة الطاقة المتجددة طاقات قياسية على الصعيد العالمي، حيث نمت القدرة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة أكثر من 30 في المائة مقارنة بعام 2009، ما يقرب من 22.3 جيجاواط تم إضافتها في دول الاتحاد الأوروبي وحدها. وتمت أيضا إضافة المزيد من القدرات في العام الماضي، حيث تشير الأرقام الأولية إلى أن الاتحاد الأوروبي أضاف في العام الماضي نحو واحد جيجاواط من طاقة الرياح البحرية في شمال غرب أوروبا، أي بزيادة تقدر بنحو 13 في المائة على عام 2010. استنادا إلى أرقام رابطة طاقة الرياح الأوروبية، نمت قدرة طاقة الرياح في أوروبا بنحو 17.0 في المائة في المتوسط سنويا، على مدى السنوات الـ 15 الماضية.
في العام الماضي حققت أيضا صناعة الطاقة الشمسية الكهروضوئية Photovoltaic-PV أرقاما قياسية. في ألمانيا، التي تعتبر أكبر سوق في العالم للطاقة الشمسية الكهروضوئية، قفز الإنتاج بنسبة 60 في المائة إلى مستوى قياسي جديد يقدر بنحو 18 مليار كيلوواط ساعة، وفقا للرابطة الألمانية لصناعة الطاقة الشمسية، يعود الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الدعم السخي من قبل الحكومة الألمانية.
لكن مع كل هذا النمو في الطاقات تواجه الشركات المطورة والمصنعة لوحدات الطاقة الشمسية في الوقت الحاضر أوقاتا عصيبة، لدرجة أن شركة بريتيش بتروليوم (BP) البريطانية قررت أخيرا إنهاء أعمالها في مجال الطاقة الشمسية، في حين انهار عدد من الشركات العاملة في هذا المجال في الولايات المتحدة وألمانيا.
بعض المشكلات والصعوبات التي تجابه شركات الطاقة المتجددة ناتج عن انقضاء فترة بعض المنح المالية الأمريكية للطاقة المتجددة في نهاية عام 2011، اقتراب انتهاء الإعفاءات الضريبية على الاستثمار والإنتاج في نهاية هذا العام دفع أيضا شركات الطاقة المتجددة للدفع لفترة أطول لإنجاز استثماراتها الطويلة الأجل. كما نشأت مشكلات أخرى نتيجة لعدم الاستقرار في النظم والتعليمات الخاصة بدعم خطط الحوافز في بعض الأسواق الأوروبية، حيث قامت كل من ألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة إما بخفض الدعم وإما التخطيط للقيام بذلك. يعاني المصنعون والموردون لوحدات الطاقة المتجددة في أوروبا والولايات المتحدة أيضا تزايد المنافسة من قبل نظرائهم الصينيين، ما أدى إلى تناقص طلبات التجهيز للكثير منهم. لكن السبب الأهم للصعوبات يعود إلى تضاؤل مجموعة صناديق الاستثمار الداعمة لهذا النشاط.
في ألمانيا مثلا، قامت إحدى شركات الطاقة المتجددة بإعلان إفلاسها قبل نهاية العام الماضي بعد أن ثبت عجزها عن توفير رأس المال المطلوب للتطوير، حيث فشلت في بيع أحد مشاريعها في الولايات المتحدة وفشلت في الحصول على الدعم الكافي للمضي قدما في أحد مشاريعها لتركيز الطاقة الشمسية في إسبانيا. الحصول على تمويل وبأسعار معقولة من المرجح أن يكون مشكلة كبيرة في هذا العام أيضا، حيث من المتوقع أن يكون الدعم المالي في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة ضعيفا للحصول على تمويل لمشاريع الطاقة المنخفضة الكربون في عام 2012.
في فرنسا أعلنت أيضا أكبر شركة لتصنيع الألواح الشمسية إفلاسها في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وتباطؤ سوق الطاقة الشمسية في أوروبا، خاصة نتيجة زيادة المنافسة الآسيوية وانخفاض الطلب على منتجات الطاقة الشمسية الفرنسية. واقترح البعض تدخل الحكومة لإنقاذ الشركة والعاملين، من خلال شراء بعض الحصص فيما إذا لم تتمكن الشركة من الحصول على مستثمرين من القطاع الخاص، لكن هذا لم يحصل.
في النرويج، قامت إحدى الشركات المصنعة للرقائق الشمسية بخفض الإنتاج مؤقتا إلى النصف عن مستويات العام السابق البالغة 300 ميجاواط بسبب ضعف الطلب. هذا الإجراء من المتوقع أن يستمر حتى نهاية الشهر الحالي. في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي قامت شركة أخرى بخفض إنتاجها أيضا، حيث من المتوقع أن تنتج خلال الربع الأول من عام 2012 فقط 105 ميجاواط من الرقائق الشمسية الأحادية.
في الولايات المتحدة واجهت إحدى الشركات الكبيرة مشكلات مماثلة عندما أعلنت إفلاسها العام الماضي، وكان انهيارها مثيرا للجدل، ولا سيما أن الشركة كانت قد حصلت على ضمان قروض من الحكومة الاتحادية بمبلغ 535 مليونا.
الأمر لم يقتصر على شركات الطاقة الشمسية فقط، بل واجه مصنعو التوربينات الهوائية أوقاتا صعبة أيضا، حيث عانت كبرى الشركات المصنعة للتوربينات الهوائية في العالم في بداية العام الحالي تراجع قيمة أسهمها إلى أدنى مستوياته في ثماني سنوات. هذا التراجع أتى على خلفية صدور تحذير ثان في غضون ثلاثة أشهر بتدني مستوى الأرباح نتيجة انخفاض الإيرادات وارتفاع تكاليف برامجها التطويرية.
تجدر الإشارة هنا إلى تقرير صدر في العام الماضي عن وكالة الطاقة الدولية، حول آفاق الطاقة الشمسية، في هذا الجانب توقعت الوكالة أن توفر تقنيات الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة Concentrated Solar Power معا نحو 25 في المائة من احتياجات العالم من الكهرباء بحلول عام 2050، وفي غضون عشر سنوات من الآن توقعت الوكالة أن تتمكن هذه التقنيات من التنافس على نطاق واسع مع مصادر الطاقة التقليدية. وتوقعت الوكالة أيضا أن توفر تقنية الطاقة الشمسية الكهروضوئية وحدها نحو 5 في المائة من احتياجات العالم من الكهرباء بحلول عام 2030، مقارنة بـ 0.1 في المائة فقط في عام 2010. لكن الإخفاقات الحالية تثير الشكوك حول إمكانية تحقيق هذه الأهداف في الوقت المحدد، حيث إن هذه هي المرة الثانية التي تواجه فيها صناعة الطاقة المتجددة الإخفاقات في غضون السنوات الأربع الماضية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي