رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل خصخصة الخدمات الصحية المخرج لتطويرها؟

لعلي أكمل ما ذكرته في المقال السابق بخصوص ما ذكره وزير الصحة عبر ندوة جريدة ''الرياض'' وما ذكره محمد الأحيدب عبر قناة المجد. ولعلي أخصص هذا المقال للإجابة عن السؤال الآتي:
هل خصخصة الخدمات الصحية تزيد من فرصة حصول المريض على الخدمات الصحية؟ وهل مشروع بلسم يزيد من حصول المواطنين على الرعاية الصحية ويقلل الفاتورة العلاجية؟
الأدبيات العلمية تخبرنا بأن أنظمة الدول الصحية أثبتت أن الخصخصة تزيد من حصول الغني على الرعاية الصحية، بينما تزيد من صعوبة حصول الفقير على الرعاية الصحية التي يستحقها. هذه التجارب مثبتة في أوراق علمية ومن مجلات محكمة علمية معروفة. فتجارب الصين والهند وكولومبيا والعديد من دول أمريكا الجنوبية أثبتت أن الخصخصة لم تساعد مواطني تلك الدول على الحصول على الرعاية الصحية بل شتت الميزانيات من جهة ولم تقلل مصاريف الرعاية الصحية أو تحسن المخرجات الصحية من جهة أجرى. ولتوضح أثر الخصخصة على الخدمات الصحية لعلي أكتفي بذكر مثالين، مثال من الدول المتقدمة ومثال آخر من الدول النامية، فمثلا نجد أن الهند تصرف 4.8 في المائة من دخلها على الرعاية الصحية، وتعتمد على الخصخصة، بينما تصرف جارتها سريلانكا 3.5 في المائة من دخلها القومي على الصحة، وتعتمد على الحكومة في تقديم خدماتها الصحية، ومع ذلك فمعدل وفيات الرضع للهند خمسة أضعاف مقارنة بسريلانكا، كما أن متوسط أعمار الهنود أقل من سريلانكا بتسع سنوات.
أما على مستوى الدول المتقدمة نجد أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من الدول المتقدمة التي تعتمد على القطاع الخاص في تقديم الرعاية الصحية وتصرف 16 في المائة من دخلها على الصحة ومع ذلك فإن الولايات المتحدة أعلى معدل وفيات للرضع، كما أن معدل العمر المتوقع أثناء الولادة أقل من جميع منشآت الدول ذات الدخل المرتفع للتعاون الاقتصادي والتنمية OECD، كما أنه يوجد في أمريكا أكثر من 47 مليون دون رعاية صحية.
لذا نجد أن دور التأمين التجاري في أوروبا محدود جدا كما تخبرنا بذلك الأدبيات العلمية. ففي ألمانيا يشكل التأمين التجاري فقط 10 في المائة ومخصص فقط لمن دخلهم عال جدا. أما في فرنسا فالتأمين التجاري يراد منه تقديم خدمات صحية إضافية أو تقليل قيمة المشاركة في التكلفة العلاجية الحكومية. أما دور التأمين التجاري في الدول الإسكندنافية كالنرويج والسويد فيساعد في تسريع الحصول على الرعاية الصحية نظير المشاركة بمبالغ محدودة.
نقطة أخرى جديرة بالاهتمام وهي أن مفهوم الخصخصة ليس مفهوم الأبيض والأسود بمعنى إما مع خصخصة الخدمات الصحية أو ضدها، بل لا بد من التفصيل في ماهية الخدمات التي يراد تخصيصها أو خصخصتها؟ ومن هي الشرائح المستهدفة منه؟ وآليات تطبيق الخصخصة بشكل تفصيلي؟
إنه من المهم جدا أن تضمن السياسات الصحية المراد تطبيقها العدالة في توزيع الخدمات الصحية والتأكد من جودتها إجمالا مع أن تضبط السياسة الصحية وفقا للاحتياج الصحي في إطاره العام لا في إطاره الخاص أو الفردي. فمثلا لا يسمح النظام الصحي الألماني الخروج من نظامها الصحي الاجتماعي إلى التأمين التجاري إلا من لديهم مبالغ مالية كافية (التجار فقط) تتيح لهم الصرف على احتياجاتهم العلاجية بعيدا عن سؤال الغير أو التسبب في عجز أو فقر أو إفلاس. أما النظام الصحي الإنجليزي، فنظرا لكون مراكز طب الأسرة والمجتمع من السهل مراقبتها وتحديد مخرجاتها، لذا فموظفوها لا يتبعون إداريا لوزارة الصحة عبر NHS. فيمكن النظر إلى مراكز طب الأسرة والمجتمع على أنها نوع من الخصخصة، ولكنها خصخصة مدروسة ومن السهل قياس مخرجاتها.
للأسف أن صيغة بلسم من الصيغ التي يصعب التحكم فيها وقياس مخرجاتها، خصوصا أن القطاع الصحي الخاص لم يصل لدرجة النضج. فواقع نظامنا الصحي لا يزال في البدايات، كما أنه لا يوجد معايير علمية تلزم بها مستشفيات القطاع الخاص باتباعها مما يصعب عملية المراقبة عليها. إضافة إلى ذلك فإن المجلس المركزي لاعتماد المنشأة الصحية لا يزال ضعيفا بسبب ارتباطه الإداري بوزارة الصحة. فلو أصبح المجلس المركزي لاعتماد المنشأة الصحية محايدا كهيئة الغذاء والدواء لكان دور للمجلس أكبر وأكثر حيادية من واقعه الآن. فمن الصعب أن يكون للمجلس دور حقيقي ومستشفيات وزارة الصحة هي أكثر المستشفيات تحتاج إلى رقابة.
لذا فإنه عند إقرار أي صيغة من صيغ التأمين الصحي أو البرامج ــــ كبلسم مثلا ــــ فعلينا النظر حول الصيغة التي تضمن استفادة أكبر عدد من المواطنين من الميزانيات الصحية، كما تحقق تحكما أكبر في التكلفة العلاجية مع سهولة مراقبتها، كما تسهم في رفع مستوى الجودة الصحية المقدمة، لكن برنامج بلسم لا يحقق أيا منها. كما أن خصخصة الخدمات الصحية بالصورة المقدمة في بلسم ليس أفضل النماذج الصحية للخضخضة في ظل واقعنا الصحي.
وللحديث بقية،،،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي