رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«أرامكو».. تبدأ الإصلاح الإداري من أمانة جدة!

أصبحت البلديات - مع الأسف الشديد - الصورة المسيئة للإدارة الحكومية المثقلة بأمراض الفساد الإداري والمالي، وإن كانت بعض الأمانات نجحت في أن تبعد عنها دنس التخلف الإداري، وأخذت بأسباب الإصلاح الإداري الذي ميزها عن غيرها من الأمانات الأخرى، بينما ظل الكثير من البلديات يغط في وحل البيروقراطية والفساد.
وفي جدة لدينا مثل دارج يقول ''البلدية بله وأذية'' تعبيرا عن الأذى الذي تلحقه البلدية بجمهور المراجعين. وإلى وقت قريب فإن الكفاءات كانت ترفض العمل في إدارة البلديات حتى لا تلحقها سمعة البيروقراطي المعوق للعمل. ولو قرأنا الأنظمة الخاصة بالبلديات، فإننا نجد أن الدولة توكل إلى البلديات كل برامج التنمية المحلية، فالبلديات مسؤولة عن النظافة، والصحة، والطرق، والمحافظة على البيئة، وتجميل الشوارع، وتخطيط المدن، وتفتيش الأسواق، وتراخيص البناء، وقبل ذلك مسؤولة عن الأراضي بكل ثرائها وثرواتها! أي البلدية مسؤولة عن كل برامج التنمية والتطوير في المدينة التي تقع فيها.
ورغم أن البلديات مكلفة بهذا الحشد الهائل من الوظائف، فإن إمكانات البلديات ضعيفة وتدار بكفاءات هزيلة لا تتناسب مع كل هذه الأعمال والبرامج التنموية الشاسعة!
ومن المفارقات العجيبة حينما وقعت كارثة شرق جدة، كانت هذه الفاجعة فيصلا بين البلديات في الماضي والبلديات في المستقبل، حيث حركت هذه الكارثة بقوة كل أجهزة الدولة باتجاه تطوير البلديات ورفع مستوى أدائها بما يتناسب مع مجموعة الخدمات التي تقوم بها.
ويومها استمعنا جميعا إلى تصريحات ملكية شديدة اللهجة صدرت من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصيا وجاء فيها: إنه هو المسؤول عن هذا الحادث الجلل، وإنه الكفيل بتعويض المصابين والكشف عن المتسببين.
وفعلا صدرت الأوامر والتوجيهات من أعلى سلطة في الدولة وهو خادم الحرمين الشريفين باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإصلاح الإدارة لوضع حد للفساد الإداري والمالي في محيط البلديات.
ومن ناحية أخرى، جرت تحقيقات على نطاق واسع وصلت حتى أمناء مدينة جدة السابقين الذين أحضروا من الخارج للتحقيق معهم، ثم أحيلت الملفات إلى القضاء كي يقول كلمته الفاصلة في قضية استشرى فيها الفساد الإداري والمالي على نطاق واسع.
ومن ناحية أخرى، تبارى الإعلام في كشف الكثير من المآخذ على ''الإدارة'' في البلديات، وطالب بوضع خطط جادة للإصلاح لأن إدارة البلديات مثقلة بالمثالب والفساد.
وجهاز يحمل كل هذه الأرتال من المآخذ جدير بأن ينخرط موظفوه في دورات لتنمية المهارات ودورات في أخلاقيات العمل.
وتنفيذا للأوامر الملكية فقد تبنى الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة تنفيذ خطة إصلاحية للإدارة في أمانة جدة، وجرى تكليف شركة أرامكو بتصميم الخطة ووضع برامج التدريب الخاصة بها، ثم إعادة هيكلة الأمانة حتى تصبح نموذجا يحتذى للإدارة المحلية الفاعلة.
لقد أصبحت التنمية المحلية جزءا مهما في عمليات التنمية الوطنية الشاملة، وفي ظل العولمة أصبح للتنمية بعد عالمي يتجاوز الوضع المحلي إلى العلاقات مع الدول الأخرى، إذ إن التنمية والاستقرار في أي منطقة عاملان محسوبان في الانفتاح على العالم الخارجي وبناء العلاقات الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية. وتأسيسا على ذلك فلقد تأسست منظمات عالمية وإقليمية تعنى بالتنمية المحلية، وتعقد المؤتمرات والندوات الإقليمية والعالمية لمناقشة التنمية المحلية ومحاولة تبادل المعلومات من أجل تحقيق معدلات أعلى في التنمية المحلية.
والحقيقة أن أمانة جدة لا تحتاج إلى مجرد إعادة هيكلة بالمفهوم الترقيعي، إنما تحتاج إلى إعادة هندسة في جميع أوصالها الإدارية والفنية.
وأذكر أن المهندس عادل فقيه حينما كان أمينا لمدينة جدة كان متفائلا بوجود الدكتور هاني أبو راس في الأمانة، لكن – مع الأسف - بعد أن تقلد أبو راس العمل كأمين لمدينة جدة لم يحقق الآمال المعقودة عليه، وأنا شخصيا وقفت على إنجاز إحدى المعاملات ففوجئت بإجراءات بيروقراطية أفسدت كل مزايا الحكومة الإلكترونية التي تحاول الأمانة تطبيقها بغية تحسين صورتها أمام الجمهور.
وهذا يعني أن معضلة أمانة جدة لا تتمثل في شخص الأمين فحسب، إنما تتمثل في كل أطراف الجهاز الذي يؤثر في بعضه بعضا ويتأثر ببعضه بعضا، بل يؤثر ويتأثر بغيره من المؤسسات الحكومية والخاصة كعلاقتها بشركة الكهرباء أو علاقتها بالإمارة وشركة الاتصالات وشركة المياه.
إن تكليف ''أرامكو'' بمهمة إعادة التنظيم ورفع الكفاءة هو من أهم الاختبارات التي تتعرض لها ''أرامكو''، فإذا نجحت الإدارة في ''أرامكو''، فإنها قد حققت المعجزة، وستكون هذه المبادرة نموذجا يحتذى في كل المؤسسات التي تعاني أمراض الفساد والبيروقراطية المعيقة.
إننا نتمنى لأمانة مدينة جدة الخروج من زمرة ضحايا الفساد إلى الدخول في حديقة الازدهار الإداري الفاعل، كما أتمنى أن تنجح ''أرامكو'' في وضع نموذج إداري يحتذى في كل المؤسسات التي تشكو من فيروس التخلف والفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي