محاربة الفساد على الطريقة السويدية
الفساد له تعريفات مختلفة وقد تكون معقدة بعض الشيء. والتعقيد يأتي من اختلاف نظرة الأمم لما يقع في خانة الفساد أو خارجه. بيد أن أغلب المختصين يتفقون على أن الفساد آفة ما إن يضرب بلدا أو اقتصادا إلا وتركه خرابا، حتى وإن كانت خزائنه تطفو على بحيرات من الذهب.
والفساد لا ينظر إليه في بلد متطور مثل السويد من منظار الأخلاق أو الدين. في السويد الفساد ظاهرة إنسانية تدرس في الجامعات وتكتب فيها الأبحاث شأنها شأن أي مادة علمية أخرى. أخرجت السويد الفساد من خانة الأخلاق والتدين والالتزام بالتوراة أو بالإنجيل، لأن الدراسات أظهرت أن المؤسسات الكنسية أو الدينية قد تكون أكثر فسادا من المؤسسات المدنية.
ولهذا تضع الدولة تشريعات وقوانين للوقاية من الفساد مثلما تفعل عند تنظيم المرور والقوانين والأنظمة المتعلقة للوقاية من الحوادث المرورية أو الحفاظ على الصحة العامة. لا تترك الدولة أي شأن من شؤون الحياة الأساسية للضمير والأخلاق، بل تنظمه ضمن قوانين محددة يستطيع المواطن بواسطتها معرفة حقوقه وواجباته بصورة مرضية.
والسويد من أنظف دول العالم عندما يتعلق الأمر بالفساد وهي تقبع في قمة دول العالم الأكثر شفافية، ومع ذلك شرعت في اتخاذ سلسلة جديدة من الإجراءات والممارسات لمحاربة هذه الظاهرة. دخلت الدولة هنا في مرحلة جعل عملية محاربة الفساد جزءا من الثقافة القومية.
فكما أن المحافظة على المال العام والممتلكات العامة هي الآن جزء من الثقافة العامة للشعب السويدي، تريد الدولة أن تجعل من الفساد جزءا من التربية والتعليم في البلد.
الآن هناك محاولات جدية لجعل الفساد كمفهوم مادة دراسية في الصفوف السويدية. سيدخل الفساد ضمن المناهج الدراسية وسيتعرف الطلبة على الفساد وماهيته وتعريفاته المختلفة وكيفية اكتشافه والطرق القانونية المتاحة للمواطن العادي لمحاربته.
وينكب حاليا عدد من أساتذة الجامعات لوضع هكذا منهج. وهم يدرسون هذه الظاهرة وكيفية تدريسها لاحظوا أن القوانين في السويد لا تقدم الحماية الكافية للأفراد والمجموعات التي تكشف حالات الفساد أو تبلغ الشرطة عنها.
وانضم عدد من أساتذة القانون إلى هذه المجموعة لاقتراح تشريعات جديدة تقدم حماية كاملة لأي شخص يكشف حالة فساد أو يبلغ عنها، ومنها أن صاحب العمل لا يحق له فصل أو معاقبة أو التعامل بسوء مع أي من عماله أو موظفيه إن بلغوا عنه في تهمة فساد. وهذه الاقتراحات والتشريعات ستتحول إلى قوانين نافذة حالما يصادق البرلمان عليها.
وقد لاحظت تجاوبا كبيرا من قبل الشركات والمؤسسات والأفراد مع هذه التوجهات، حيث ذكرت الصحافة أن أصحاب المشاريع حتى الصغيرة منها التي يديرها شخص أو شخصان بدأوا بوضع كل حساباتهم ووارداتهم ومصروفاتهم ورواتبهم على الشبكة العنقودية.
إن كان الفساد ثقافة - أي جزءا من التكوين الاجتماعي لبعض الأفراد والمجموعات والدول - فإن محاربته قد تصبح ثقافة أيضا. وهذا ما تفعله السويد الآن، وذلك بجعل الفساد مادة دراسية كما هو شأن الجغرافيا والتاريخ والعلوم الاجتماعية الأخرى.
الدولة أو المؤسسة التي لا تستطيع محاربة الفساد بصورة فاعلة لن تنهض.
وإلى اللقاء،،،