المسؤولون والعمل تحت المجهر في إطار الوعي الجديد
ما من شك أن ثورة الاتصالات الحديثة وما تبعها من برمجيات تمكن الفرد العادي من إنتاج المحتوى الإعلامي بكافة الصيغ ونشره أو بثه في مواقع التواصل الاجتماعي التي جذبت الملايين للاشتراك بها ومتابعتها بشكل يومي إن لم يكن لحظيا لدى البعض، أقول ما من شك أن ذلك أدى لتشكل وعي جديد يتنامى بمعدلات تفوق التصور وهو وعي شئنا أم أبينا سيؤدي كما يقول مؤلف كتاب ''الطرف الطويل'' لوابل من التغيرات في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
أيضا وفي الوقت نفسه أدت هذه الثورة الاتصالية لحالة جديدة لم يعتد عليها المسؤولون في كل مكان وخصوصا في بلادنا وهي حالة العمل تحت المجهر القوي القادر على تكبير الحدث عدة مرات ليراه الكل بكل وضوح إن لم يكن بشكل مبالغ فيه، والمجهر هنا هو مجهر المواطنين الواعين نخبويين كانوا أو غير ذلك حيث يستطيعون أن يرصدوا ويضبطوا وينشروا ويبثوا وينتقدوا ويطالبوا ويضغطوا ويحدثوا الأثر.
إذن نحن أمام واقع جديد يتمثل في مسؤولين يعملون تحت المجهر في إطار وعي جديد متنام بشكل متسارع ومذهل في مجتمع شبابي يتلقى المعلومات والمعرفة من مصادر متعددة ولم يعد يقتنع بسهولة كما هو الحال في الماضي، والسؤال هل يدرك المسؤولون وبمستوياتهم كافة في بلادنا هذا الواقع الجديد؟ وإذا كانوا يدركونه، ما استراتيجيتهم الفاعلة في التعاطي معه؟ هل سيتجهون لاستثمار هذا الواقع كفرصة ذهبية تساعد في معرفة الواقع واختبار الأفكار وضبط الجودة لتحقيق المزيد من الإنجازات التنموية في بلادنا بما يعزز نموها واستقرارها؟ أم هل سيتجهون للتصادم مع هذا الواقع واعتباره خطراً يتهددهم فيحاربوه ويعملوا على إغلاق جميع منافذ تسرب المعلومات والإخفاقات إن وجدت ويجيشون فريقا إعلاميا للنفي والتبرير والتفنيد لحمايتهم والمحافظة على مصالحهم ومراكزهم وإن كان ذلك على حساب الصالح العام؟
ما يبدو لي مما أقرأ ومما أسمع وأرى أن معظم المسؤولين ليست لديهم معلومات دقيقة عن الواقع الجديد الذي يعملون في إطاره وإن كان لدى معظمهم كما أعتقد انطباعات شخصية نشأت عن ممارسات شخصية ومعلومات يتلقونها من محيطهم، ولا أظن أن لدى معظمهم استشرافا علميا لمستقبل وعي المواطن ونوعية تفاعلاته وانفعالاته مع أفكار المسؤولون وقراراتهم وأفعالهم وإنجازاتهم وتطلعاتهم، كما أعتقد أن معظمهم ليس على وعي كامل بماهية وأهمية مهامهم ودورهم المنتظر بالنهوض بهذه المهام على أكمل وجه وانعكاسات جودة تنفيذ مهامهم على الوطن والمواطن في إطار هذا الواقع الذي تجاوز فيه المواطن مرحلة الإخبار إلى مرحلة الإقناع ونحن نعلم جميعا أن الإقناع عملية اتصال باتجاهين تتطلب مهارات تواصل مدعومة بإنجازات حقيقية معيارية مقارنة بالمحيط الإقليمي والدولي.
أحد المسؤولين يقول إنه فوجئ بصور يتداولها المتواصلون من خلال ''التويتر'' تثبت سوء جودة عمل إدارته الأمر الذي حدا به للاجتماع مع مرؤوسيه ومناقشة ضرورة معالجة جودة عمل الإدارة لتجنب مثل هذه الأخطاء المرصودة والمنشورة والمتداولة والتي إن استمرت ستؤدي به إلى خارج إدارته فضلا عن كونها غير مقبولة في إطار توجيهات حكومة خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ لتوفير أسباب العيش الكريم للمواطنين ومقارنة بالإنفاق الهائل الذي تنفقه الدولة على مجالات التنمية كافة.
والأمر لا يقتصر على المسؤولين بالقطاع الحكومي بل إنه يتعداه إلى المسؤولين في القطاع الخاص، حيث أصبح المستهلك قادراً على التقييم والتحذير بل وحتى التشهير والإضرار بصورة وسمعة أي شركة تتلاعب أو تتحايل أو تتكسب على حساب المستهلك والأمثلة كثيرة ولا حصر لها، كما يتعداه أيضا لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، حيث لم يعد المواطن قادرا على قبول الخطأ والحوقلة والاسترجاع فقط كما كان الوضع في الماضي، حيث يحمل جهازا إلكترونيا يمكنه من التسجيل صوتا وصورة والرفع على المواقع الاجتماعية ومن ثم النشر أو البث والتعليق، وكم من تغريدة أصبحت قضية تداولتها المواقع بشكل لم يكن أحد يتصوره من قبل.
أيها المسؤولون الكرام إن ما كان يقبله المواطن من قبل في إطار الوعي السابق لم يعد يقبله اليوم، ومواقف المواطنين السلبية السابقة تجاه المشاكل والأخطاء والتقصير والتغول لم تعد كذلك، حيث بدأ الكثير من المواطنين وخصوصا الشباب ينفعل ويتفاعل سريعا ويواجه الخطأ وينتقد ويقترح الحلول ويدعو للضغط على فاعله أو فاعليه أو على مسؤوليهم لاتخاذ إجراء مناسب بشأنهم، والأمثلة في هذا كثيرة وليس المجال هنا لذكرها.
وبالتالي ومن أجلنا جميعا رؤساء ومرؤوسين، مسؤولين ومواطنين، ومن أجل الوطن الذي يضمنا جميعا أصبح واجباً على المسؤولين جميعا مهما كان موقعهم ومستوى مسؤوليتهم العمل على إدراك الوعي الجديد ومعدلات نموه واستشراف نوعية الوعي مستقبلا كما عليهم أيضا أن يعلموا أنهم يعملون اليوم تحت مجهر المواطنين ليل نهار، وعليهم أن يعدوا العدة للعمل في هذا الواقع ويضعوا الاستراتيجيات والبرامج والمشاريع التنفيذية لاستثمار هذا الواقع الذي يشكل فرصة لكل جاد مخلص صالح النية لضبط الجودة وتحقيق أهداف جهازه أو منشآته في إطار تحقيق الأهداف التنموية الوطنية.
ختاما: أقول لقد سئم الناس الأخطاء والمشاكل والفساد المزمن والمتفاقم ولم تعد مواقفهم سلبية تجاه كل ذلك في إطار الوعي الجديد وسيستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعي الجديد للحد منها، وعلى كل مسؤول أن يدرك الواقع الجديد ويستشرف المستقبل ويعلم ماهية وأهمية مهامه ويعمل على أدائها بجد وإخلاص على أكمل وجه ويسارع إلى معالجة القصور في أداء جهازه وفاء لحكومة خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ التي وفرت الموازنات الضخمة ووفاء للوطن والمجتمع وبكل تأكيد طلبا للأجر والثواب من الخالق ــ سبحانه وتعالى.