أعقاب الهزيمة = 3 أهداف × 3 دقائق!

كنت وصديقي نواسي بعضنا البعض، نندب حظا عاثرا، ونبكي تجربة غير موفقة تسببت في خروجنا من المرحلة الأخيرة من التصفيات القارية المؤهلة لكأس العالم في البرازيل عام 2014م، في أعقاب ذلك الأربعاء الأسود الذي هزمتنا فيه أستراليا (4/2) هزيمة استطعمنا مرارتها حين قصفت شباكنا ثلاثة أهداف في ثلاث دقائق، بعدها انهار ''المنتخب'' وتفككت عناصره وحروفه ونقاطه فتحول إلى ''المنتحَب''!
لم أدع يوما اشتغالا بالرياضة، ولم ولن أظهر مع فريق المحللين الرياضيين الذين يستضيفهم الزميل بتال القوس أو الزميل وليد الفراج، إنما سأظل كاتبا وممارسا يدور في فلك الإدارة، أرصد سنن التغيير، أتأمل في مؤشر الصعود والهبوط، وأتتبع أسرار النجاح والفشل بين البشر والمنظمات.
لماذا نفشل رغم الإمكانات الهائلة التي نملكها؟ سؤال يؤرقني دوما، أود تعليقه في الشوارع بدلا من إعلانات شركات الاتصالات. أحيانا أعثر له على إجابة واضحة كطبق من البلور، وأحيانا أخرى أتوارى عن الإجابة أو تتوارى هي عني.. لم أعد أميز الفرق!
لماذا نبوء بالفشل الذريع في كل مشروع عمل ننفذه؟ فنحن رغم ''العقود'' ذات الأرقام العالية، لا نصيب لنا إلا تدني الجودة وضعف المخرجات (مدخلات هائلة = مخرجات متدنية). أي ابتلاء ذلك الذي ابتلينا به كي لا تفلح مساعينا؟ أهي إشكالية الرجل المناسب في المكان المناسب؟ أهي البيروقراطية؟ أم هو ذاك الغول المنعوت بـ ''الفساد''؟
فإذا أخذنا تجربتنا الكروية الفاشلة (مباراة السعودية وأستراليا)، ونزعنا منها الغلاف الرياضي، سنضعها على مجهر الإدارة، ونرصد الآتي:
- على مستوى لاعبي منتخبنا الوطني (وهم الموارد البشرية لنا)، نلاحظ تدني المعنويات، وانعدام الروح القتالية، وانعدام الانضباط، وغياب المساءلة، والصمت والذهول، والإحباط، والشعور بالتخلي، والغموض الذي يكتنف مستقبلهم.
- على المستوى الإداري (إدارة المنتخب)، نلاحظ التخطيط السيئ، وكثرة التدخلات، والقرارات المتعجلة، والحلول المتعجلة، وتوظيف الرجل غير المناسب براتب غير مناسب، والتورط بعقود عمل طويلة الأجل وبرواتب عالية دون نتائج ملموسة، وكثرة الموارد المالية مع قلة النتائج.
كرَّة أخرى، نعاود طرح السؤال المؤرق: لماذا نفشل؟ لماذا تفشل الكثير من تجاربنا الإدارية (ومنها الرياضية)؟ هل هو الشكل الإداري للمؤسسات؟ ففي الوقت الذي ''نتشطر'' على بعضنا في البطولات المحلية، ونتعثر في البطولات العالمية، ونخرج من التصفيات، نسمع أصواتا متحمسة في بعض صحفنا المحلية تنادي مقترحة بتحويل الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة، فهل هذا هو الحل؟!
من وجهة نظري، إن العوامل الداخلية لفشل المؤسسات تُعزى إلى سببين: إما نقص في الموارد، أو مشكلة في الإدارة. ولأنني لا أشك يوما أن لدينا نقصا في الموارد (بالعكس لدينا فائض منها ولله الحمد)، فسوف أرجح الاحتمال الآخر، وهو وجود مشكلة في الإدارة. وهنا دعونا نمر على الإدارة بأقسامها الخمسة (التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والرقابة) لكي نتلمس المشكلة:
التخطيط: هو عملية تحديد الإجراءات المقرر اتخاذها في المستقبل لتحقيق الأهداف. فالتخطيط يساعدنا مبكرا على الإجابة عن ''ما الإجراء الذي نتخذه؟ ومتى؟ وكيف؟''. ولأن التخطيط يسد الفجوة بين المستوى الراهن والمستوى المأمول، نحتاج دوما إلى مهارات اتخاذ القرارات وحل المشكلات. ولذلك، يساعدنا التخطيط مسبقا على تجنب الحيرة والغموض والمخاطر وهدر الموارد. فماذا خططنا قبل أن نتبارى مع أستراليا في أرضها؟ تحديدا ماذا خططنا منذ خسارتنا أمام أستراليا (3/1) في أرضنا السعودية (الدمام) وقبيل انطلاق صافرة الحكم في مباراتنا معهم على أرضهم (ملبورن)؟
التنظيم: تجميع الموارد البشرية والمالية والمادية وإيجاد العلاقات المنتجة لتحقيق أهداف الفريق/ المؤسسة. ومن أشكال التنظيم: تحديد الأعمال وتصنيفها وتوزيعها بين العاملين، وتحديد المسؤوليات والصلاحيات لكل موظف ومدير. هل كنا ناجحين في التنظيم؟ هل كنا نترك المدرب يؤدي مهامه؟ أم أن الاتصالات الهاتفية هي التي كانت تقوم مقام المدرب؟ هل أحسنا في اختيار اللاعب ذي القدرات الهجومية؟ أما أننا وضعنا المدافع في موقع المهاجم؟ لعلنا نستفيد من الماضي، ولعل بوادر هذه الاستفادة التي تصب في مسار التنظيم، التوجه نحو فصل منصب الرئيس العام لرعاية الشباب عن منصب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم.
التوظيف: يهدف إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. هل كان لاعبو منتخبنا الوطني على قدر من الكفاءة؟ أم أن مؤهلهم الوحيد انتماؤهم إلى أندية معينة؟ لقد تورطنا بعقود عمل طويلة الأجل وبرواتب عالية دون نتائج ملموسة، كما حدث مع مدرب منتخبنا فرانك ريكارد الذي تردد أن قيمة عقده وصلت إلى 90 مليون ريال سنويا رغم نفي الاتحاد السعودي لكرة القدم. ويندرج ضمن التوظيف، استقطاب المواهب (من الحواري وغيرها وليس بالضرورة من ناد معين) وتدريبهم وتطوير قدراتهم ومكافأتهم وترقيتهم بما يتماشى مع أدائهم مع خضوع هذا الأداء إلى تقييم مستمر.
التوجيه: إذا كان التخطيط والتنظيم والتوظيف المراحل التحضيرية للعمل الإداري، فإن التوجيه هو العمل الإداري ذاته (الفعل)، ويتحقق عن طريق القيادة والإشراف والتحفيز والتواصل. فما مستوى التوجيه الذي كان يحرك سفينة المنتخب السعودي التي كانت تخوض غمار التصفيات؟ ما رأي محمد المسحل؟
الرقابة: تهدف إلى قياس المنجزات مع المعايير مع معالجة حالات الخلل تحقيقا لأهداف الفريق/ المؤسسة. فالرقابة التي يخشاها البعض تتألف من أربع خطوات رئيسية: تبدأ من تحديد الأداء القياسي (المعياري)، ثم قياس الأداء الفعلي، فالمقارنة بينهما والتعرف على مواطن الخلل، وأخيرا معالجة الخلل بإجراءات تصحيحية.
كنت أبحث عن صديقي الذي حاولت أن أمسكه بعد الهزيمة، إلا أنه سبقني إلى ساحة منزله وهو يلعب بالكرة ويركلها بعنف نحو الجدار، وهو يردد (أجل بتحولونها إلى وزارة ..هاه؟)، أما أنا فأقصيت نفسي، وتركته يفرغ شيئا مكبوتا في دواخله..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي