رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أفلح «ساهر» في الجباية لكنه فقد هيبته

كنا قد استبشرنا خيراً بقدوم وجه الخير ''ساهر''، ظنا وإيماناً منا بأنه، بإذن الله، سيقود إلى الحدِّ من عدد الوفيات الناتجة من حوادث المرور التي كانت لكثرتها وفظاعتها تؤرق مضاجعنا وتلتهم أرواح أحبابنا. (''الاقتصادية'' الأحد 8 أغسطس 2010). فقد كانت الحوادث، ولا تزال مع الأسف، تحصد الأرواح في كل مكان تسير فيه المركبات، لا فرق بين سائر داخل المدن ومسافر عبر الطرق الرئيسة. وعلى الرغم من علمنا المسبق بأن ''ساهر''، في الوقت نفسه، ربما يكون أداة تحصيل أكثر منه رادعا للمخالفين، إلا أننا كنا نأمل أن يُحقق الهدف الذي كان قد أحضِر من أجله، وهو العمل على تقليل عدد الحوادث المرورية بوجه عام وخلق بيئة تتغلب فيها الحكمة على الفوضى وعدم المبالاة وينتشر الوعي المروري إلى مستوى يضمن التقيد بضوابط وأصول السلامة المرورية. لكن الصراحة أن ''ساهر''، على الرغم من مضي أشهر طويلة على وجوده بيننا، لم نلحظ أي تغيير إيجابي يُذكر على سلوك قائدي المركبات، وعلى وجه الخصوص فئة الشباب وهي في الغالب الطرف المستهدف في برنامج ''ساهر''.
اعتاد المسؤولون عن المركبات التي تحمل كاميرات ''ساهر'' إيقافها في أماكن مُحددة ومعروفة في جانب من الطرق الرئيسة، ولا يخفى وجودها على مرتادي الطريق. ومع ذلك فقد كانت تتصيد المركبات المسرعة واحدة تلو الأخرى. ما يدل على أن نسبة معينة من السائقين غير مُبالين بحصولهم على مخالفات مُتكررة ودفع الغرامة. وهناك الأغلبية ممن يقللون من سرعة مركباتهم عندما يقتربون من موقف ''ساهر'' ثم يعودون مباشرة إلى ممارسة السرعة العالية والتجاوزات الخطرة. أي أن ''ساهر'' حتى الآن لم ينجح في تغيير عاداتنا المرورية المُتأصلة، لكنه نجح بامتياز في الجباية المالية. ولا نعتقد أنه سيكون له تأثير أكثر إيجابية عندما يتحول من مسؤولية الشركة التي تقوم الآن بتشغيله إلى مسؤولية المرور. ولو أن المبالغ التي صُرفت على مجهود ''ساهر'' وتلك التي تم تحصيلها من المخالفات المرورية خلال عمر ''ساهر''، كانت ضمن مشروع توعية ومراقبة لتثبيت عقيدة ربط أحزمة السلامة المرورية، لربما كان ذلك أجدى وأكثر نفعاً. ثم لا ننسى أن نظام ''ساهر'' لا يُغطي في أحسن الأحوال إلا جزءا يسيرا من أرضنا الواسعة.
إذاً لا بُدَّ لنا من أن نتبنى أكثر من وسيلة من أجل تحقيق الأهداف التي ستقودنا - إن شاء الله - إلى الحد من الحوادث المرورية، مع التركيز على أسباب الحوادث المميتة. فمعظم تلك الحوادث التي ينتج عنها فقد الكثير من الأرواح والإصابات المُقعدة تكون السرعة الجنونية وعدم ربط الأحزمة من أهم أسبابها. وكما أسلفنا، فإن ''ساهر''، على الرغم من مهارته في اصطياد المسرعين، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في تغيير نمط أولئك الذين اعتادوا قيادة مركباتهم بسرعة فوق المسموح بها بكثير. والتقارير التي تُنشر من وقت لآخر وتذكر أن نسبة الحوادث داخل المدن هبطت قليلاً، لا نعتقد أن لذلك تأثيرا إيجابيا على عدد الحوادث التي تُسبب الإصابات البليغة، وهي ما نود خفضها. فلا نزال نشاهد الحوادث اليومية، ومعها الكثير من الذين يغادرون هذه الدنيا، وعددهم كل عام في ازدياد. فقد فاق عدد المتوفين من حوادث المرور خلال عام 2011 السبعة آلاف ضحية، أو ما يقارب معدل 20 حالة يوميا. وهذا يزيد على المعدل العام مع بداية ''ساهر'' بنسبة كبيرة. أما العدد الإجمالي للحوادث المرورية خلال العام الماضي فقد زاد على 500 ألف حادث، والخسارة المالية المترتبة على ذلك بلغت 13 مليار ريال. وكلها أرقام وإحصاءات مخيفة إذا قورنت بالمعدلات العالمية وتزيد على الأرقام التي سُجِّلت قبل عامين. نحن لا نزال، وربما سنظل لسنوات طويلة قادمة، نتصدر شعوب العالم في عدد ضحايا الحوادث المرورية.
وإن كان هناك منْ يعمل على معالجة هذا الوضع وإيجاد حلول عملية من أجل إيقاف نزيف الأرواح والدماء، فهو ليس ظاهراً ولا فاعلا. والمسؤول الأول، الذي يجب أن يتحمل مسؤولية العبء الأكبر ضمن برنامج وطني جاد يهدف إلى كبح جماح هذه الأعداد الجائرة من الحوادث بدون شك إدارات المرور. نحن البلد الوحيد، الذي تسير في طول مُدنها وعرضها دون أن تُشاهد رجل مرور واحد يراقب السير ويعاقب المخالف. وندرك أن هناك جهات رسمية وخاصة يقع عليها جزء كبير من مسؤولية المشاركة في برامج التوعية المرورية من باب المصالح المشتركة والمواطنة، لكنها تحتاج إلى من يقوم بدعوتها والتنسيق معها من أجل أن تقوم بواجبها مع جهود المرور، الأمر جد خطير ولا يحتمل التسويف، ونحتاج إلى إضافة عدد كبير من رجال المرور المدرَّبين والمؤهلين ميدانياًّ، إلى جانب سن قوانين صارمة تُجبر جميع ركاب المركبات على التقيد بربط حزام الأمان. أما السرعة الجنونية التي نشاهدها على الطرق فمن غير المقبول على الإطلاق أن تُترك من دون علاج. وقد أثبت ''ساهر'' أنه غير قادر على ردع المخالفين، فلا بُدَّ من تشديد المراقبة من قِبَل أفراد رجال المرور كدعم لمجهود نظام ''ساهر''. نحن هنا نتحدث عن موضوع يتعلق بمصير الآلاف من أبناء الوطن يفقدون أرواحهم بدم بارد، ناهيك عن المبالغ الهائلة التي سنوفرها في حالة خفض الحوادث بنسبة 5 إلى 10 في المائة، وهو مبلغ سيُغطي تكلفة التوعية وإضافة رجال المرور بأضعاف كثيرة. لكن مكسبنا الحقيقي هو الحفاظ على الأرواح الإنسانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي