نحو اتحاد خليجي للكيان الصحي (1 من 2)
بعد كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها في افتتاح اجتماعات الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في أواخر شهر المحرم من هذا العام (1433هـ) في الرياض، دخلت دول الخليج مرحلة مد وجذب تجمع فيها خلال ثلاثة أشهر كل ما يمكن أن تجمعه لبناء الوحدة الخليجية، منتقلين بذلك ومتجاوزين مرحلة التعاون للاتحاد. هذه الدول التي بصرت بمستقبلها وحددت معايير أدائها وبدأت تدخل مرحلة جديدة من التحدي السياسي والاقتصادي على المستوى العالمي، ستكون أكثر يقظة وأكثر استعدادا لما يحمله المستقبل من مفاجآت حيث كلما اقتربنا واتحدنا، صعب اختراقنا وتلاشى ضعفنا وبالتالي ازددنا قوة ولحمة.
الآن وقد وُضِعت ووَضَحت الرؤية والرسالة واكتملت منظومة المحددات التي اذا ما أُعدت الاستراتيجيات والخطط التنفيذية والبديلة لتكون ''المظلة أو السحابة الخليجية'' مرفوعة في سماء الخليج العربي، فإن مسارنا سيكون بلا شك في الوجهة الصحيحة. الاتحاد بهدف: (1) تحقيق الاستقرار المستدام من خلال ''الأمن والأمان''، و''السلامة للشعوب والثروات والممتلكات''، و''السلام الدائم بين الشعوب والمقيمين على أراضيها''، (2) تعزيز الهوية وسط العولمة العالمية الغاشمة، (3) إرساء القيم الحقيقية للدين الإسلامي وأخلاقيات التعامل الحضاري الراقي. (4) تأسيس بناء اقتصادي متكامل القوى مرتكزا على عدة أركان فيكون سوقا واحدا أقوى وأنضج وأكثر تنوعا وتعددا في مكونات السوق، يعني التعايش مع واقع العالم بنظام راشد ورصين. ولكن للقيادات بالطبع بعد نظر يشمل أكثر من ذلك فهم يركزون على المعرفة أولا ليكون المجتمع الخليجي معرفيا يميز بين الزائف والحقيقي والنافع والضار ولديه القوة لأنه يصنع مستقبله بفكر وأيدي أبنائه.
دول الخليج تلمست طريقها بشكل واضح وجدي وبذلت عبر العقود الثلاثة الماضية جهودا تكاملت فيها أدوار وتوصلت فيها إلى وضع برامج ترجمت إلى اتفاقيات ومواثيق بينية قوية. بهذا ستكون عملية الاتحاد التي تسعى إليه مسألة إتمام جهود وبذل المزيد للتقارب وتعظيم المنافع والفوائد. وإذا ما أرادت ترجمة رؤى خادم الحرمين الشريفين فلا شك أن الانتقال من التعاون إلى الاتحاد يحمل الكثير من الخير لشعوبها والمقيمين على أراضيها. يمكن أن نفهم الكثير من هذا التوجه، حيث وصلنا لمرحلة الرغبة في الاستكشاف مع التعلم مما سبق، ونبدأ التخلي عن أن نكون ظرفيين، حيث إننا نتعلم من تجربة أوروبا مع اختلاف الأصل والطبيعة والظروف والمبادئ والوقت والخلفية. لقد عاصرت دول أوروبا تشرذما بائنا لفترة طويلة جدا، وأصبحت رغبتها البعد عن الدين طلبا في حرية مطلقة والتوسع والتسلط والانتقام. إن ما يحدث الآن ما هو إلا إفرازات للنظرة الظرفية التي يعاصرونها ولا تريد دول الخليج تكرارها. لأن هذه الدول انطلقت من مبدأ إسلامي حق وترغب في العيش في سلام وبسلامة. وبلا شك سيكون هذا التوجه مقياسا لكثير من دول العالم التي تجمعها قواسم مشتركة وجوار يجعل المشاركة في صنع القرار الموحد هدفا استراتيجيا.
إن مكونات الأجندة قد تمتد وتطول وبالتالي يكون المحتوى ضخما لأن كل كيان له خواصه. لذلك فبالتبسيط والتركيز لن يواجه المجموعة ما لا يمكن حله أو تحليله للتمكن من مواجهته وحله. الوضع الصحي على سبيل المثال كان أحد هذه القطاعات التي استثمرت فيها وزارات الصحة الخليجية كل ممكن لتعود على مواطنيها والمقيمين فيها بتحسين الصحة العامة وإصحاح البيئة من حولهم وتخفيف وطأة الجوائح في كل موجة تصيب العالم. بعد هذا القرار كيف يمكن رسم خريطة الطريق، وما الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا؟ لا شك أن القطاع الصحي الآن يعمل على قدم وساق في تخصيب الطريق للاتحاد. إلا أن لكل جهاز في كل دولة بعض الرؤى التي كان يركز على تناولها في أولوية خاصة به. بالطبع قد نجد ''الدواء'' و''التأمين الصحي'' هما أكثر النقاط تجاذبا في كل المحافل، ولكن إذا ما ركزنا على مناقشة الكيان الصحي وتطويره فستكون الأولوية في المناقشة ما تم فيه التقارب إلى حد الاتحاد، ثم ما يمكن أن يبادر به فيكون أنموذجا للقطاعات الأخرى. كل ذلك لأن المحاور قد تختلف مستويات أهميتها سواء من مهنة لأخرى ومسؤول لآخر ومفكر قد يقرأ من خارج الصندوق فيضيف ما يمكن أن يعزز الجهود - بإذن الله.
قد يكون من المناسب أولاً: الاتفاق على حالة الوضع الراهن بالكشف عن ''الصورة الكبيرة'' لكل جهاز محلي، فيكون جليا لطاقم الملاحة المتوقع تشكيله لمراقبة ومتابعة واتخاذ القرارات المناسبة للأجهزة عن قرب ماهية ما يتعاملون معه وحجم الاحتياج للدعم المادي بأنواعه المختلفة أو المعنوي. من ناحية أخرى نقل مرحلة الإنجاز إلى المبادرة بالفعل أو النشاط لتسريع الاستفادة من الوقت والموارد المتوافرة. هذا سيوضح كيف يمكن تعبئة الفراغات استنادا للخبرة المكتسبة عبر العقود الثلاثة الماضية، من أجل أن يتمكن الاتحاد من التحرك بمؤشرات ومعايير موحدة ومحدثة. وللحديث تتمة.