رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التوعية حق أصيل من حقوق المواطن

من التغريدات المضحكة المعلقة ما قاله أحد المغردين تعليقا على ما يحدث عند إشارات المرور بعد أن أصبحت كاميرات ساهر تصور من يلف يمينا دون أن يقف لثوان معدودة حيث فلاش ''ساهر'' لا ينطفئ حيث تقول التغريدة (بعض إشارات الرياض ماشاء الله! كأن فوقها غيمة مطر! 24 ساعة تبرق!)، ونحن نعلم أن كل ''برقة'' تعني خروج 150 إلى 500 ريال من جيب سائق سيارة لا يعي أسباب مخالفته.
نعم لدي صديق له من العمر 50 عاما جاءه بلاغ ساهر عبر رسالة نصية أنه خالف النظام وعندما بحث أبناؤه في النت تبين أنها مخالفة الالتفاف يمينا دون الوقوف لبضع ثوان، ويقول والله ما أعرف أن هذه مخالفة، وبكل تأكيد برق فلاشات ساهر الذي لا يقف عند الإشارات يؤكد أن الغالبية لا تعي أنها مخالفة لنظام المرور وشتان بين من ''يعي'' ومن ''لا يعي''.
يقولون ''القانون لا يحمي الغافلين''، والغافلون هنا هم من لا يعون حقوقهم أو لا يعون أنهم مخطئون، وإن كنت أعتقد أن القانون مهمته حماية الغافلين والبسطاء ومن يحسنون الظن بالآخرين، أقول إذا كان الأمر كذلك ولا مجال لحماية الغافلين علينا أن نوعي المواطن كحق أصيل من حقوقه في جميع مجالات ومناشط الحياة حتى لا يكون من ''الغافلين'' الذين لا يحميهم القانون، ولا تذهب نسبة كبيرة من أموالهم لمعالجة أخطائهم المرورية والصحية والاجتماعية والاقتصادية الاستثمارية وغيرها من الأخطاء التي يشكل ''اللاوعي'' السبب الرئيس من أسبابها.
أحد الأصدقاء العاملين في مجال العلاقات العامة يقول إن موازنات التوعية لدى معظم الأجهزة الحكومية تكاد تلامس الصفر، ولذلك تجدهم دائما ما يطرحون ''وثائق مرجعية لحملات توعوية'' تشترط أن تقوم الشركة المنفذة بتوفير الرعاة لتمويل الحملة التوعوية وهو أمر صعب جدا إذ يأنف عنه الرعاة حيث يعتقدون أن الصرف على الحملات التوعوية مجال غير مناسب لخدمة المجتمع حيث يفضلون الإنفاق على مجالات أخرى، خصوصا المجالات ذات البعد الإنساني الملموس.
وزارة الإعلام والصحف المحلية وغيرها تتحمل دورا مهما في التوعية، لكن وكما هو معلوم هي وعاء إعلامي ليس أكثر ولا يمكنها أن تنظم حملات توعية في المجالات كافة لعدم تمكنها من فهم كل مجالات التوعية فهما عميقا، وبالتالي فإن الجهات المنوطة بتقديم الخدمات في أي مجال هي الجهات المسؤولة بالدرجة الأولى عن تخطيط وإعداد وتنفيذ الحملات التوعوية العلمية المستمرة التي ترفع درجة وعي المواطن في مجالها بشكل تراكمي، كأن تقوم إدارة الدفاع المدني بالتوعية بالمخاطر المحتملة وكيفية تجنبها، وتقوم وزارة الصحة بالتوعية بالمخاطر الصحية المحتملة وكيفية تجنبها، وتقوم إدارة المرور بالتوعية بالمخاطر المرورية وكيفية تجنبها وهكذا.
نحن أصحاب المثل القائل ''درهم وقاية خير من قنطار علاج''، لكن نحن أيضا من لا نطبق مفهوم هذا المثل بتاتا ونفضل إنفاق القنطار وإن كان بمئات المليارات ولا ننفق بضع ملايين على الوقاية، نعم ها نحن نبني المستشفيات بالمليارات ونشغلها أيضا بالمليارات ولكن لا نعلن بتاتا عن 50 مليونا موازنة للتوعية الصحية الشاملة للحد من أعداد المرضى الذين يتدفقون لهذه المستشفيات، وكلنا يعلم أن الوعي بمخاطر الضغط والسكري وكيفية تجنب هذه المخاطر يحد من الكثير من الحالات الخطرة التي ترد للمستشفيات وتشغل الأسرة لأيام طويلة ودون جدوى بعد أن يكون المريض تعرض لنزيف حاد أو جلطة قوية تشل حركة أعضاء جسده.
نحن ننفق المليارات على المحاكم وعلى تشغيل المحاكم وتزويدها بالقضاة، وهي محاكم تغص بالقضايا المتأخرة، لكننا لا ننفق 5 في المائة من هذه المبالغ لنشر الثقافة الحقوقية التي تحد بشكل كبير من ورود هذه القضايا للمحاكم وتكسدها، نعم كثير من المغبونين وأصحاب الحقوق الضائعة ضاعت حقوقهم بسبب ضعف الوعي الحقوقي فوقع الفأس بالرأس وجاءوا إلى المحاكم لعل وعسى هناك من ينصفهم ولا عزاء للمغفلين!
نحن ندعم الكثير من السلع والخدمات بالمليارات، لكننا لا ننفق 10 في المائة من هذه المبالغ لتوعية المستهلك بترشيد الاستهلاك لتخفيض نسب الإسراف والتبذير، التي بدورها ستخفض الطلب بشكل كبير، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وانخفاض النفايات أيضا التي تتطلب المليارات لنقلها ودفنها أيضا، وكم من أطنان اللحوم والرز والخبز التي ترمى يوميا كنفايات، كم من لترات الوقود المدعوم تذهب سدى في حركة غير لازمة لكثير من السيارات حيث يمكن الاستعاضة بالأنظمة الإلكترونية لإنجاز المعاملات وشراء السلع والخدمات وغيرها من البدائل.
لدينا هيئة حكومية لحقوق الإنسان وجمعية أهلية للحقوق ذاتها ولم تقم أي منهما بتنظيم حملات توعية مستمرة تنشر ثقافة حقوق الإنسان بين المسؤولين عن صناعة القرارات وإقرارها وتنفيذها وبين عموم المواطنين، وكم من المشاكل والقضايا يمكن أن نتخلص منها لو رسخت مفاهيم وقيم حقوق الإنسان لدى المسؤولين والمواطنين.
ختاماً أقول إن توعية المواطن في المجالات كافة حق أصيل من حقوقه، وعلى جميع الجهات المعنية، كل في مجالها، أن تخطط وتنظم حملات توعية علمية ومستمرة لتحقيق الوعي التراكمي في مجال عملها، والذي سينعكس إيجابا على جودة حياة المواطنين وكفاءة أدائها بكل تأكيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي