رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مشكلة ضريبة توبين والحل

يفكر زعماء أوروبا جدياً الآن في فرض ضريبة توبين، التي تقضي بفرض ضريبة صغيرة على المعاملات المالية، وبالتالي إضعاف التداول. ولكن هل تحقق هذه الضريبة الغرض الذي يرجوه أنصارها؟
إن الشعبية التي تتمتع بها هذه الضريبة (التي سميت على اسم جيمس توبين رجل الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، والتي كان المقصود منها الحد من تقلب أسعار الصرف في سوق العملات) تعكس عداوة واسعة النطاق تستهدف القطاع المالي، ولكنها تتجاوز بشوط بعيد أية فوائد حقيقية قد تترتب على فرض هذه الضريبة. ورغم هذا فإن المسؤولين الرسميين المنتخبين يرون أن ضريبة توبين جذابة للغاية، لأنها من الممكن أن تخفف من حدة الانتقادات وأن تحول الانتباه بعيداً عن المشكلات الأساسية، ولكنها تشل حركتهم على المستوى السياسي، التي تحيط بالسياسة الاقتصادية، وخاصة الموازنات والديون والنمو البطيء.
إن ضريبة توبين لها فوائد بالفعل، حتى ولو لم تتمكن من معالجة القدر الكافي من المشكلات التي تبتلي الأسواق المالية اليوم. ذلك أن فرض ضريبة على معاملات الأوراق المالية من شأنه أن يشجع السندات الأطول أجلا. فهي تُفرَض على السيولة، التي يعتقد الكثيرون أنها متوافرة بشكل مفرط. وهي تشجع التحليل الأساسي لعمليات أي شركة، ويأمل بعض أنصارها أن تعمل ضريبة توبين على دفع الشركات إلى التركيز بشكل أكبر على القيمة البعيدة الأمد.
فضلاً عن ذلك فإن ضريبة توبين تعمل على دفع السماسرة الماليين - أشخاص موهوبين يتسمون بعادات عمل قوية - نحو أنشطة أخرى، وهو ما من شأنه أن يعود بالنفع على الاقتصاد بشكل أكبر (كما يرجو صناع السياسات). وإذا كانت الإبداعات والمشتقات المالية واتفاقيات الشراء لآجال قصيرة من الأسباب التي جعلت الأسواق أكثر تقلباً وهشاشة، فإن ضريبة توبين من شأنها أن تساعد على تعزيز استقرارها وتقويتها.
إن تثبيط سوق إعادة الشراء من شأنه أن يعود بفائدة اقتصادية، لأن هذا النوع من التمويل أثبت عدم استقراره: فقد أفرطت مؤسسات مثل بير شتيرنز وليمان براذرز في عمليات إعادة الشراء إلى الحد الذي جعلها غير قادرة على تحمل انتكاسات الاستثمار في أماكن أخرى من صناعتها. ولقد انطبق الأمر نفسه على ممتلكات ''إف إم هولدنجز'' في الخريف الماضي. ولعل التمويل الأقوى والأطول أمداً ربما كان ليسمح لهذه الشركات بالبقاء. وإذا حثت ضريبة توبين المؤسسات المالية على تمويل أنفسها بديون أطول أمداً والإقلال من عمليات إعادة الشراء ذات اليوم الواحد، فسيكون بوسعها أن تلعب دوراً كبيراً في دعم الاستقرار.
ورغم أنه من المعروف جيداً أن ضريبة توبين لن تؤثر كثيراً في الأسواق ما لم تتبناها كل المراكز المالية، فإن ما يصدق على الأسواق لا يصدق بالضرورة على المؤسسات المالية. فإذا كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على سبيل المثال راغباً في منع المؤسسات المالية الفرنسية الأضخم من أن يسمح لها بالإفلاس من إدارة المعاملات المالية على نحو يؤدي إلى إضعافها، فإن فرض ضريبة توبين على معاملاتها في أي مكان تتم فيه من العالم قد يصادف النجاح؛ ذلك أن الضريبة ستؤثر في المؤسسات، حتى ولو لم يكن بوسعها أن تعمل على تشكيل الأسواق على مستوى العالم.
مما لا شك فيه أن الأسواق قد تنقل هذه المعاملات من فرنسا ومن المؤسسات المالية الفرنسية، وإذا أخطأت الأجهزة التنظيمية - لأن العمل كان مربحاً وليس مسبباً لعدم الاستقرار - فإن المؤسسات الفرنسية ستخسر. أما إذا أصابت الأجهزة التنظيمية فإن المؤسسات الفرنسية ستصبح أكثر استقرارا. وإذا كانت ضريبة توبين تهدف إلى تعزيز المؤسسات (وليس تغيير الأسواق)، فقد تكون شديدة التأثير، حتى من دون تبنيها من قِبَل كل الدول الكبرى.
وعموما، لا نستطيع أن نقول الكثير ضد الضريبة (غير ما قيل ضد كل الضرائب)، أو أن نتحدث لمصلحتها. ولكن من غير المجدي أن نحل المشكلات المالية الرئيسة، في حين أن تلك المشكلات التي تتعامل معها (مثل التمويل القصير الأمد) يمكن التعامل معها بشكل أكثر مباشرة، من خلال فرض ضريبة أكثر تركيزا، ووضع قواعد تحكم هذه المعاملات، وتحسين سبل التنظيم المتعقل.
في الوقت الحاضر لا تزال المقترحات بفرض ضريبة توبين غير جيدة التوجيه. أي أن المعاملات السليمة سوف تفرض عليها الضريبة إلى جانب التمويل القصير الأمد ليوم واحد - والمزعزع للاستقرار - لمؤسسات مالية هشة.
بيد أن ضريبة توبين تسمح رغم هذا للساسة المنتخبين بالظهور وكأنهم يفعلون شيئاً مفيدا - وهذا صحيح بالفعل، ولكن من دون معالجة المشكلات الاقتصادية الأكثر خطورة.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي