رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سقوط الغرب .. بعيد أم قريب!

تمتلئ أرفف المكتبات في الغرب ـــ في هذه الأيام ـــ بالكتب التي تتحدث عن احتمالات سقوط الغرب وبزوغ عالم جديد متعدد الأقطاب، تتقدم فيه دول ناشئة كالصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا وسنغافورة إلى الواجهة بدلا من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وإذا كان الغرب (وليس الشرق) هو الذي يتحدث عن الأفول الغربي الوشيك، فإننا لا نرى هذا الكلام صحيحًا على إطلاقه، ولا نتصور أن الغرب ـــ بعد أن بنى هذا الصرح الحضاري الغربي ـــ يستسلم حتى السقوط الحاسم والنهائي، بل هناك رعيل جديد يضع روشتة إعادة تنوير الحضارة الغربية والمحافظة على استمراريتها وديمومتها من خلال تفعيل ثورات الربيع الغربي، وتمكين القيادات الشابة من مهمة فعل المعجزة لكي تعود أوروبا وأمريكا إلى الواجهة، تقود العالم إلى عالم جديد يتميز بالتكنولوجيا والعولمة.
ونزعم أنه لا يوجد حتى الآن نظام اقتصادي عالمي جديد يستطيع أن يقود سفينة الاقتصاد الدولي، ولا توجد مؤشرات موضوعية تقول إن الصين واليابان والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية لديهم نظام اقتصادي مختلف عن النظام الرأسمالي الغربي.
إذن نحن نقصد بالغرب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ولا نقصد كل الأنظمة التي تطبق الرأسمالية الغربية، أي أننا نتحدث عن 80 في المائة من الاختراع الإلكتروني، و60 في المائة من الاقتصاد العالمي.
إن المتفائلين الغربيين يقولون إن المشكلة الرئيسة التي تتهدد الحضارة الغربية الآن هي "الديون" الضخمة التي لا تقوى بعض دول أوروبا وأمريكا على الوفاء بتسديدها، وإن هذه القضية ـــ رغم جسارتها ـــ إلا أنها تحتاج إلى عقول فتية شابة ترسم طريق الخلاص منها، ووضع الحلول الناجعة لها.
وفي الشهر الماضي صدرت ثلاثة كتب تناقش سقوط القارة العجوز (أوروبا)، أحدهما لمؤلف أمريكي هو وولتر لاكيور الذي أعطى لكتابه عنوان "أوروبا.. بعد السقوط"، وفي هذا العنوان ما يغني عن الحديث عن أي شيء عن مستقبل أوروبا، ولكن كلود بيريس يحدد في كتابه "مستقبل أوروبا" ثلاثة تحديات رئيسة تواجه الاتحاد الأوروبي، أولها أن الاتحاد لا يقوى على حمل وإدارة 28 دولة عضوة، والتحدي الثاني هو أزمة اليورو، ثم التحدي الثالث هو تلاشي ثقة الشعوب الأوربية بالاتحاد.
ولكن فرانكلين أشبى وأرثر بيل في كتابهما المثير "تبني التفوق" يتجهان عكس هذا الاتجاه، ويقولان إن إنقاذ الحضارة الغربية يحتاج إلى عقول شابة من المديرين التنفيذيين لإدارة المصارف والمؤسسات والشركات والمصانع حتى تتوازن المؤسسات الاقتصادية الغربية وتستعيد قدرتها على النهوض والصمود وتسديد الديون، ثم الانتقال إلى تحقيق الأرباح.
ويؤكد أشبي ونيل في كتابهما المشار إليه بأن الحضارة الغربية ثرية وما زالت تتمتع بإمكانيات النهوض، وحتى تبدأ مرحلة النهوض يجب أن تعود إلى الأسباب التي أدت إلى السقوط وتباشر علاج هذه الأسباب، وتبدأ بوضع روشتة الإصلاح التي يجب أن تطول كل مؤسسات المال والأعمال.
ونظرًا لأن أسباب السقوط هي انتشار الفاسدين الذين انتشروا في أكبر المصارف والشركات الكبرى الذين نزلوا بالبنوك والشركات إلى الهاوية والإفلاس، فإن المطلوب هو تأهيل مديرين تنفيذيين ذوي كفاءة ورؤية يقومون بمسؤولية إعادة الهندسة والبناء.
ولكن قبل ذلك يجب أن تنصب محاكم العدالة للاقتصاص من كل فاسد تسبب في سقوط الغرب، وما حدث ـــ مع الأسف الشديد ـــ إن المحاميين الغربيين أخذوا يتبارون لتثبيت الفساد بدل أن يساعدوا العدالة على إحقاق الحقوق، فإذا بهم يتبارون في الدفاع عن الفاسدين ونشر مبادئ الظلم.
ولذلك على الرغم من مرور أربع سنوات على الأزمة المالية العالمية لم يصدر حكمًا بالإدانة لحرامي واحد من الحرامية الكثر الذين نهبوا وسرقوا وخربوا الاقتصاد الغربي والعالمي.
والمطالع للكتب التي تصدر في الغرب هذه الأيام ككتاب آشى وبيل، يلاحظ أن شريحة كبيرة من شباب الربيع الغربي تسعى بجد واجتهاد لاستعادة مقود قيادة النظام الاقتصادي الغربي، وإذا كان البعض يقول إن الغرب ما زال في بداية الطريق، ويجب ألا يبالغ في التفاؤل، فهذا صحيح، ولكن التفاؤل في حد ذاته هو علاج للأزمة؛ لأن جانبًا كبيرًا من الأزمة المالية العالمية جاء بسبب الإفراط في التشاؤم الذي ساد الأسواق العالمية، وما زالت الإشاعات المغرضة تعرقل وتبطئ عمليات الخروج من الأزمة بالسرعة المطلوبة.
ولذلك فإن القول إن الغرب يجب ألا يفرط في التفاؤل تحتاج إلى تقنين؛ لأن التفاؤل ـــ كما أسلفت ـــ هو جزء من الحل الذي تحتاج إليه الأسواق، أمَّا نشر الإشاعات والتشاؤم في الأسواق وفي أندية رجال المال والأعمال، فإن تأثيره سيكون سلبيًّا في طريق الخروج من الأزمة بالسرعة التي نتمناها جميعًا.
ونجزم بأن سقوط الحضارة الغربية لن يكون في صالح النظام الاقتصادي العالمي، بل ستدفع كل دول العالم ثمنًا غاليًا بسقوط النظام الغربي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي