رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


طاقة ليس لها عمر افتراضي

ربما أن الكثيرين منا لا يدركون أن الثروة النفطية التي نعيش اليوم على خيرها مصدرها الأول الطاقة الشمسية. فقد تكونت معظم مواد النفط ومركَّباته من أصل نباتات خضراء (وبقايا حيوانات برية وبحرية) نمت فوق سطح الأرض عن طريق التفاعل الكلوروفيلي مع أشعة الشمس منذ ما يزيد على 60 مليون سنة. وانجرفت تلك النباتات والحيوانات مع نزول الأمطار الغزيرة على مدى ملايين السنين نحو المناطق المنخفضة وشواطئ البحار وتراكمت تحت طبقات من التربة الرسوبية التي كانت تحملها مياه الأنهار والأودية لتتحول بفعل الضغط الكبير والحرارة العالية إلى مادة سائلة وتكوِّن منها ما نسميه في الوقت الحاضر بالسوائل النفطية. وكما هو معروف لدى الجميع، فإن نشوء السحب ونزول الأمطار ـــ بإذن الله ـــ هو أيضاً مرتبط مباشرة بالطاقة الشمسية، أو الحرارة المنبعثة من أشعة الشمس التي تسقط على سطح مياه البحار منذ بدء الخليقة. وانتقالنا ''التدريجي'' المرتقب من الطاقة النفطية إلى الطاقة الشمسية، ما هو إلا تغيير في طريقة الحصول على الطاقة من الشمس. فنحن اليوم سنحوِّل الأشعة الشمسية إلى مصدر مباشر للطاقة الكهربائية. والفارق الكبير بين استغلال الطاقة الشمسية المتمثلة في النفط والطاقة الشمسية المباشرة، هو أن الأخير مصدر للطاقة دائم لا ينضب وخالٍ من الملوثات البيئية.
وقد كنا، منذ اكتشاف النفط في بلادنا، من فضل الله من أكبر المصدرين لمصادر الطاقة في العالم، وأسهمنا بقدر كبير من ثروتنا وبأسعار مُنخفضة في نمو الاقتصاد العالمي خلال أكثر من 60 عاماً من النمو والرخاء. ولكننا في يوم ما سنفقد القدرة على تصدير النفط فينعدم الدخل المالي الذي نتمتع بمزاياه اليوم. وبعد ذلك بزمن قد لا يكون طويلاً، لن نجد ما يكفي من الطاقة لتسيير أمور حياتنا، وحينئذ لن ينفعنا تفاؤل المتفائلين الذين يظنون أن النفط باق لعقود طويلة. وهو ما يلحُّ علينا بأن ننتقل إلى المصادر المتجددة قبل أن نفقد الفوائض المالية الضخمة التي بين أيدينا. ولو بحثنا في طبيعة جميع مصادر الطاقة المتجددة المعروفة بدوامها لما وجدنا أنسب وأيسر وأوفر من الطاقة الشمسية. والاستثمار فيها يوفر أي قدر نريده من الطاقة ويفتح لنا مجالاً واسعاً لتشغيل الأيدي الوطنية المتزايدة التي تبحث عن العمل. وما الذي يمنع من أن تكون صناعة الطاقة الشمسية في المستقبل من أهم ركائز اقتصادنا؟ نحن الآن نملك المال الفائض عن حاجتنا ونملك التكنولوجيا بمساعدة ومشاركة الشركات المتخصصة ولدينا مساحات هائلة من الأراضي البيضاء التي تسطع عليها الشمس طوال ساعات النهار. ولن نجد ـــ إن شاء الله ـــ صعوبة تُذكر في تدريب وتأهيل شبابنا للعمل في مُنشآت صناعة الطاقة. والعائق الوحيد الذي يجب علينا التغلب عليه من أجل تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، هي الإرادة. فمتى ما أيقنا أن هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ هذه الأمة - بإذن الله - من المجاعة والضياع بعد حين، فسيُعيننا الله على التقدم في مجال صناعة مستقبلنا ومستقبل صناعتنا.
وسيكون للطاقة الشمسية أكثر من دور في حياتنا المستقبلية. فهي من الممكن أن تُمدنا بالطاقة اللازمة لتسيير أمور حياتنا، وفي الوقت نفسه تعمل على تحلية المياه المالحة إذا أُنشئت على شواطئ البحار. والطاقة الشمسية تتميز عن غيرها من مصادر الطاقة بأنها مصدر نظيف ولا تُؤثر على البيئة بأي حال من الأحوال. واتساع مساحة بلادنا تسمح لمرافق الطاقة الشمسية بأن تنتشر على مساحات كبيرة تزيد عن حاجتنا المحلية، وهذا ما نهدف إليه ونأمل أن يتحقق. فنحن نريد ونرغب بأن نكون، كما هي حالنا اليوم، مصدرين للطاقة. بل وهذا هو حلمنا، ولكنه حلم قابل للتطبيق إذا أحسنَّا التخطيط وأردفناه بالعزيمة الصادقة وسرعة ودقة التنفيذ. وماذا لنا غير ذلك؟ فبلادنا خالية تماماً من المصادر الطبيعية غير المادة النفطية القابلة للنضوب. وليس لدينا مهارات بشرية مُعينة تُساعدنا على أن نأتي بما لم يأت به الآخرون أو أن نتفوق على أجناس نحن أول منْ يعلم أننا خلفهم بمسافات شاسعة. وكما يقول المثل: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
الاختيار الأفضل موجود والأمر المقسوم محسوم، فليس لنا إلا الله ثم الطاقة الشمسية. فلماذا تضييع الوقت والتباطؤ الشديد في الخطوات ونحن على يقين بأن هذا هو طريقنا؟ ولكن الذي لا نريده وليس لدينا وقت لانتظاره هو التسويف وعدم إظهار الجدية في مسائل مصيرية تمس مستقبل وجودنا. ومن المفترض أن تكون لدينا دراسات وبحوث علمية تُحدد مسار حياتنا خلال العقود المقبلة، مبنية على أسس سليمة. فنحن اليوم نعيش على مصدر واحد من الدخل، ونعلم أن له نهاية، لا يهم إن كانت قريبة أم بعيدة، وإنما الذي يُشغل بالنا هو ماذا أعددنا لذلك المستقبل المخيف؟ والاستثمار في الطاقة الشمسية من الآن هو أقل ما نستطيع عمله لضمان استمرار وجود دخل متواضع يكفينا عن طلب العون، في وقت ربما الكل مشغول بحاله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي