إن كان هذا صحيحا فنعم الفعل!

قد لا يختلف اثنان اليوم على أن الـ 20 عاما الماضية شهدت تخلخلا كبيرا في الموازين الاقتصادية العالمية. دول كانت فقيرة ومعدمة صارت اليوم تنافس أمريكا وأوروبا الغربية واليابان على عرش الاقتصاد العالمي.
وكم كان مشهد الزعماء الأوروبيين مؤثرا وهم يتوسلون رئيس لوزراء الصين وين جياباو للمساهمة في إنقاذ العملة الأوروبية الموحدة، وذلك بشراء سندات الدين الأوروبي. وكم كان وقع قرار رئيس الصندوق السيادي الصيني، لو جيوي، كبيرا على مستقبل العملة الأوروبية عندما رفض طلبا من زعيمة ألمانيا أنجيلا ميركل لشراء هذه السندات لأن مستقبلها غير مضمون.
هناك أرقام فلكية لما تملكه الصين من احتياطي نقدي بالدولار مما حدا ببعض الاقتصاديين الأمريكيين إلى التحذير من أن بكين بإمكانها الآن شراء أمريكا. ولكن شتان بين ما تملكه الصين من عملة صعبة وما تملكه بلدان أخرى.
ثروة الصين من العملة الصعبة ثروة مستوطنة. بمعنى آخر هي نتيجة وتراكم لعرق جباين المواطنين الصينيين. قبل فترة اشترت الصين شركة فولفو السويدية وكان شرط الشراء أن تنقل هذه الشركة العملاقة معاملها الجبارة إلى مناطق نائية في الصين ما زالت تعاني الفقر وقلة النمو.
وحاليا تدور محادثات متقدمة بين الجانبين الصيني والسويدي لشراء شركة سيارات ساب، وهي شركة فائقة التطور تكنولوجيا برغم عدم شهرتها في الشرق الأوسط. وفرع من هذه الشركة ينتج طائرات مقاتلة فضلتها أخيرا سويسرا على مثيلاتها الأمريكية.
قلما تستثمر الصين في عقارات وملاعب. ونادرا ما تقبل الصين أن يكون مردود وريع استثماراتها لمصلحة الأجانب. همها وهدفها الأول هو توطين ونقل التكنولوجيا إلى الصين لتشغيل الأيدي العاملة الصينية وتمكينها من امتلاك ناصية العلم والتطور والتكنولوجيا ومن ثم تصدير الفائض للأسواق ذاتها التي باعت لها هذه المعامل.
وفتحت الصين بذلك أسواقها الهائلة أمام الغربيين، وفتح الغربيون أسواقهم أمام الصينيين، ومنذ نحو 20 عاما ينمو الاقتصاد الصيني بطفرات كبيرة لم تقل عن 10 في المائة سنويا.
لست بصدد أن أقارن الاحتياطيات النقدية الهائلة لدول الخليج العربية وكيف جرى ويجري استثمارها مع الاستثمارات الصينية. هذه الدول تملك صناديق سيادية بمئات المليارات ولكنها تفتقد قاعدة صناعية وطنية بحتة، كما هو الحال في الصين، وإن وجدت صناعات ومعامل حتى تلك التي تعنى بالموارد الطبيعة مثل النفط والغاز، فإنها تعتمد في تشغيلها على الأجانب.
وهكذا نرى اليوم كيف صار الرنمينبي الصيني، وتعني عملة الشعب واليوان الوحدة الأساسية فيها، ندا لسيد العملات، الدولار.
كل هذه المعلومات سقتها كي أثني على قرار دولة خليجية قررت تسلم ريع صادرات نفطها للصين باليوان، وبدأت تدرس بجدية توطين الصناعة والتكنولوجيا والتجارة، وذلك من خلال تشغيل الشباب وتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية. هذه خطوة - ولو أنها متأخرة - إلا أنها خطوة مباركة.
عدد سكان الدول الإسكندنافية (السويد والدنمارك والنرويج) أقل من سكان دول مجلس التعاون ولكنهم ينتجون أضعاف ما تنتجه دول المجلس الغنية بالنفط والغاز، وليس لديهم عمالة أجنبية، لا بل هناك مشكلة في البطالة. هذا خلل اقتصادي كبير يجب العمل على تداركه بسرعة.
وإلى اللقاء،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي