«الرياض الدولي للكتاب».. سباق القراءة أمام حواجز المقاطعة الاستباقية
ثلاثة أيام فقط تفصل المشهد الثقافي عن انطلاقة معرض الرياض الدولي للكتاب في موسمه السادس، بتنظيم وزارة الثقافة والإعلام وبضيافة شرفية لدولة السويد، حيث ستعلن اليوم الجمعة تفاصيل المعرض وذلك في مؤتمر صحافي خاص بمركز الملك فهد الثقافي، يحدث هذا وسط أجواء استباقية تحدث للمرة الأولى، فقد نشطت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة المعرض بداعي التحفظ، الذي يحمله أصحاب هذه الحملات تجاه محتوى بعض الكتب التي تعرضها دور النشر، في الوقت الذي لم ينظر فيه كثير من المثقفين إلى هذه الدعوات بجدية، معتبرينها تندرج في إطار التعبير عن الرأي. وكانت النسخة الماضية من معرض الكتاب قد شهدت جوانب من الاحتجاج على الكتب المعروضة، حيث عبر بعض المشاركين من دور النشر العربية عن استيائهم تجاه ما واجهوه من اجتهادات من بعض زوار المعرض، فيما لقيت تلك التطورات تحفظا من مثقفين وأدباء يرون أن الزمن قد تجاوز التصرف بتلك الطريقة مع الكتاب والفكر.
## أرقام قياسية.. وبرنامج متنوع
قبل عام من الآن، كان المعرض قد أضاف رصيدا كبيرا لنجاحات نسخه الماضية، ورغم عدم توفر آلية إحصائية محددة إلا أنه بحسب المؤشرات التنظيمية الأولية فإن النسب التي تحققت جميعها تتحقق للمرة الأولى وبشكل غير مسبوق، فعدد الجمهور لم يقل بحال من الأحوال عن ثلاثة ملايين زائر ضخوا قرابة 35 مليون ريال في اقتناء أنواع مختلفة من الكتب، وبنسبة تقترب من ضعف المبلغ المتوقع للمبيعات، ليؤكد المعرض بذلك كونه الأول عربياً ودون منازع من حيث القوة الشرائية.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فالتوسع شمل كذلك عدد دور النشر الذي وصل إلى 700 دار محلية وعربية وعالمية، كما شمل تنوعا كبيرا على مستوى الضيوف والمهتمين بمختلف الأنماط الثقافية والفنية والإبداعية، الأمر الذي جعل من المعرض فرصة لعقد لقاءات شتى تتناول مجالات الثقافة من أدب وفكر ومسرح ونقد وسينما وفن تشكيلي وتصوير ضوئي وغير ذلك.
#2#
## الأسئلة السنوية.. الطقوس اليومية.. كل عام والكتاب بخير
الأسئلة تتكرر لكنها تبدو وجيهة كل عام، الإعلان كل ساعة عن توقيع مؤلف أو مؤلفة على إصداره، مشاهدة شخصيات معروفة، أكاديميون ومسؤولون في قطاعات تعليمية وشرعية واقتصادية واجتماعية ورياضية وغيرها، العائلات التي تقرأ بشغف وتشتري بغزارة، جهاز الصراف الآلي الذي تم في العام الماضي توفيره للمرة الأولى داخل المعرض والذي نفد كل ما فيه خلال خمس ساعات ''والحديث هنا عن مبلغ مليون ريال بحسب تأكيد البنك''، الأكياس المحملة بالكتب في كل مكان، زوار يبحثون عن ''خارطة'' للموقع، ناشرون ومؤلفون يحاولون الالتحاق بجدول التوقيع اليومي المزدحم، أشخاص لا علاقة لهم بالثقافة يمارسون أدوارا لا تتصل بها بأي حال من الأحوال، مراسلون إخباريون أجانب، وآخرون محليون يمثلون القناة الثقافية وهم يتجولون بين الأجنحة والجمهور ويجرون لقاءات سريعة تعج بعدد لا بأس به من الأخطاء النحوية، شباب اللجان المنظمة المنتشرون في كل مكان، وليس هذا إلا جانب فقط من مجموعة الطقوس والمشاهد اليومية تتكامل يوميا على مدى عشرة أيام لتصنع من مركز المعارض الواقع في شرق الرياض مكاناً لا يمكن مغادرته بسهولة قبل اللحظة التي يعلن فيها المذيع الداخلي أن على الزوار أن يقوموا بذلك بغض النظر عن مدى قناعتهم ورغبتهم فيه، أما ما يتعلق بالمساحة المكانية فقد عاد الجمهور مجددا ليطالب بمضاعفتها على أقل تقدير، وهو ما سيكون في صدارة اهتمامات المعرض المقبل حيث يتوقع أن يعاد تشكيل خارطة الموقع بحيث يتم استبعاد الأجنحة الرسمية ذات المساحة الكبيرة لصالح أجنحة تخصص لمزيد من دور النشر بحيث يتسع المعرض لما لا يقل عن 900 دار، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذا الرقم حتى في حالته توفره فهو لا يغطي جميع طلبات المشاركة التي يتلقاها المعرض والتي تفوق الألف طلب من جهات عربية وعالمية مختلفة.
## مثقفون: المعرض بمن حضر.. ويجب مقاطعة النزعات الشخصية
أبدى عدد من المثقفين عدم ثقتهم بدعوات المقاطعة لمعرض الكتاب، في حين أعرب البعض عن تخوفهم الكبير من فشل المعرض هذا العام بخلاف نجاحاته السابقة. ويقول القاص عبد الرحمن العمراني: "لست متفائلا جدا هذا العام بنسبة نجاح المعرض أو فشله، خصوصا بعد ما حدث في "الجنادرية 27"، وما حدث العام الماضي في معرض الكتاب". ويعبر عن أمنياته في أن يكون هناك رفع لسقف الرقابة على الكتب، وأن يجد الزائر في المعرض غايته، وأن يكون هناك هامش للحرية في تنوع الكتب، وألا يمارس الرقيب منعه للكتب، خصوصا أننا نعيش في زمن الكتاب الإلكتروني، الذي يستطيع فيه القارئ الحصول على ما يحظره الرقيب على الإنترنت. وبخصوص دعوات المقاطعة، يقول العمراني: "من أراد ألا يحضر فهذا شأنه، والمعرض متاح للجميع". أما الأديبة والتربوية تغريد السليمان الحمدان فتقول: "أتوقع أن يكون المعرض ملتقى ثقافيّا فكريا مميزا للجميع هذا العام بلا استثناء، كما أنه سيكون محطّ أنظار المجتمع بكل شرائحه، ذلك لأنه دائما ما يحقق رغباتنا المختلفة ونهمنا للقراءة بتنوعه وثرائه المعتاد"، متمنية المزيد من التنظيم والكثير من الوعي من جميع الحاضرين والقائمين عليه، لأنه يعكس واقع المجتمع ومدى استيعابه للحضارات المختلفة، وأضافت: "مهما حاولنا أن نتشابه سيظل الاختلاف قائما، وعلينا أن نتحلى بسلوك ينم عن تغليب المصلحة العامة، وهي مصلحة الوطن على المصلحة الخاصة، والتوازن في تبني اختلافاتنا وتهذيبها أولى من استعراضها أمام من يتمنى سقطات الوطن وأبنائه". وترفض الحمدان دعوات المقاطعة معتبرة أن ما يحتاج إلى المقاطعة بحقّ هو النزعات الشخصيّة، وتوضح: "الحق يظل حقّا والباطل باطلا، فإن بنينا مواقفنا وتوجهاتنا باتجاه ذلك لن نختلف ولن يحدث شقاق أبدا، ولنتذكر دائما أننا أمة وسطا لا نلدغ من جحر مرتين".
## ثنائية الأسعار والمنع
في كل عام، يواجه الجمهور والمثقفون على السواء مرة أخرى مشكلة مغالاة بعض دور النشر في الأسعار، ويؤكد المنظمون في الوزارة أنهم سيتعاملون معه بصرامة في حال ورود شكاوى تثبت هذا التصرف على أحد الناشرين، لكن من المسؤولين من يعترف أن ''إغراء'' المعرض الأعلى مبيعاً في العالم العربي هو ما يدفع البعض إلى رفع السعر خصوصا مع مرور أيام المعرض وتناقص العدد المتوفر لديهم من الكتب، أما أسئلة الرقابة فهي تستمر في طرح نفسها كل عام بين أجندة الزوار والمثقفين والصحفيين على حد سواء، سيردد المنظمون ''لم نسحب أي كتاب، إلا نسبة لا تذكر من الكتب التي وردتنا ملاحظات بشأن احتوائها على مخالفات تمس بعض الثوابت''، وسيكرر المؤلفون عباراتهم ''لقد منعت كتبنا من الدخول'' رغم أنها معروضة على رفوف المعرض!
## الحصيلة الشرائية والقرائية.. من يكسب من؟
بخلاف الازدحام المكتباتي والبحث عن مساحات إضافية في الرفوف، ما هو المعدل المتوقع لتأثير كتب تم شراؤها بمبلغ 35 مليون ريال خلال عام مضى؟.. إنه السؤال الذي يجب العودة به من هذه الفعالية الكبيرة وقد خرج الجمهور منها محملين بعشرات الكتب في مجالات شتى، الأمر حتما لا يتوقف عند تصويرها وبث الصور على المنتديات الأدبية ومواقع التواصل الاجتماعي كما جرت العادة، خصوصا أن الكثير يؤكدون أنهم اشتروا كميات كبيرة من الكتب في هذا المعرض في الوقت الذي لم يقرأوا بعد ما اقتنوه من كتب المعارض الماضية، وهو ما يدفع للتساؤل حول إن كانت هذه الحصيلة الهائلة من الكتب ترتبط بمشروعات قراءة ممنهجة ومجدولة أم أن الغالبية اشترت لمجرد دعم مكتباتها الخاصة؟ هو السؤال المرتبط غالبا بما يثار حول وجود حس استهلاكي بحت يدفع هذه القوة الشرائية الضخمة، في الوقت الذي لا يكون من المناسب أن يتساءل أحدنا ما هو التأثير الثقافي المباشر الذي عاد على ذهنية المجتمع وفهمه للتنوير الفكري وممارسته للفعل الحضاري.. عبر سنوات من معارض الكتب القوية اقتصادياً واجتماعياً؟