أمانة منطقة الرياض وتعزيز ثقافة «الشكوى» التنموية
تستخدم المنشآت الخاصة آلية الشكوى كأحد عناصر ضبط الجودة، ولذلك تضع أكثر من وسيلة تمكن عملاءها من إيصال شكاواهم بشأن منتجات أو خدمات الشركة في الوقت المناسب قبل أن تتفاقم المشكلة موضوع الشكوى وتؤثر سلبا على صورة المنشأة وسمعتها الأمر الذي سينعكس سلبا أيضا على مبيعات الشركة وأرباحها السنوية بالمحصلة.
ومن مؤشرات أداء الإدارة نسبة الشكاوى الواردة، حيث تتم مقارنتها مع النسب المعيارية للوصول إلى حقيقة نجاح الإدارة أو فشلها، وكلما ارتفعت نسبة الشكاوى ضد أي إدارة من إدارات أي منشأة حكومية كانت أو خاصة عن النسبة المعيارية، فإننا أمام دليل قاطع على سوء الإدارة وضعف الأداء، ولذلك وللأسف الشديد تجد الكثير من المسؤولين في الأجهزة الحكومية بدل أن يعملوا على تطوير أداء إداراتهم وأقسامهم لتحقيق رضا المواطنين يعملون على تعقيد إجراءات شكاوى المواطنين وتهميشها لكي ينصرفوا عن الشكوى لعدم جدواها، وهو ما حصل فعلا حتى باتت ثقافة الشكوى ذات البعد التنموي غائبة تماما.
البعض تجاوز ذلك بتواصله مع جميع الوسائل بما في ذلك الوسائل الإعلامية التي قد تمكن المواطن من إيصال شكواه للمسؤولين الأعلى، وذلك بهدف منع تمكنه من ذلك، حتى تبقى الوسيلة الوحيدة أمام مسؤوليه التي تثبت حسن الأداء هي التقارير المطبوعة بألوان زاهية على ورق فاخر، ولكن دوام الحال من المحال حيث مكنت وسائل التواصل الاجتماعي الجميع من صناعة المادة ونشرها دون الحاجة إلى إذن من أحد وبإجراء سريع لم يكن يتخيله أحد من قبل.
والسؤال هل توجه عموم المواطنين لاستثمار هذه الوسيلة الحديثة السهلة والسلسلة والتي تمكن المواطن من استخدام الصوت والصورة والكلمة المكتوبة لإثبات شكواه بعد أن كان يشكك في الكثير من الشكاوى المكتوبة خطيا دون أدلة ثابتة من صوت وصورة كما هو الوضع الآن؟ والجواب حسب ظني لا، والسؤال التالي ما السبب في ذلك؟ والجواب بسبب ضعف أو انعدام ثقافة الشكوى لدى المواطن بسبب تراكمات السنين بل العقود الماضية، حيث كانت معظم الشكاوى تذهب أدراج الرياح إن لم تأت بشر على صاحبها.
ضعف أو انعدام ثقافة الشكوى لدى معظم المواطنين السعوديين جعلت الكثير ينعتهم بالسلبيين، حيث يرون الخطأ ولا يتكلمون ولا يشتكون ولا يطالبون بإصلاحه رغم أنه قد يكون خطأ بسيطا من موظف غير أمين أو متكاسل أو عسر لا يرى في تيسير الإجراءات للمواطن للوصول إلى حقه بسهولة ويسر إلا عملا سيئا غير محمود العواقب، وقد يكون ضعف فهم لدى بعض الموظفين لو علم به مسؤولهم لعالجه بشكل سريع وإلى غير ذلك من الأسباب، ولكن المواطن السعودي آثر السلبية والصمت لأن الشكوى لا يأتي من ورائها إلا الصداع والمشاكل.
أحد الأصدقاء يقول إن الردميات ومخلفات البناء حول مسكنه والمساكن المجاورة أصبحت كثيرة بشكل لا يطاق، حيث يأتي المخالفون لرميها ليلا أو صباحا، حيث لا يوجد أحد يمنعهم، وأنه حاور الجيران لرفع شكوى جماعية لإدارة النظافة وأنهم رفضوا ذلك وقالوا له ما لك إلا التعب لن يرد عليك أحد، ويضيف أنه قدم شكواه وما هي إلا أيام معدودات حتى بدأت إدارة النظافة في إزالتها بعد أن أرسلت من عاين المكان والكميات، وعندها أدرك الجيران أن الشكوى قد تأتي بخير.
يضيف صديقي هذا أنه أوضح لهم أن أمانة منطقة الرياض من الأجهزة الحكومية النشطة في مجال نشر وتحفيظ رقم مركز طوارئ الأمانة 940 لكل مواطن لكي يكون عينها التي ترى بها بمعنى أن يكون كل مواطن مراقب لدى الأمانة يبلغ ويشتكي عن خطأ يراه يقع ضمن اختصاصاتها، بل إن مركز الطوارئ يشارك بالمعارض التي تشهد حضورا جماهيريا كبيرا كما مهرجان الجنادرية على سبيل المثال للتعريف بالمركز وخدماته على مدار الساعة وقنوات التواصل معه سواء عن طريق الاتصال الهاتفي أو الرسائل النصية، أو التسجيل الصوتي، أو الموقع الإلكتروني، وكذلك البريد الإلكتروني، وكيفية استقبال البلاغات والاتصالات وآلية توثيقها.
''اعمل، تخطئ، تعاقب. تقاعس لا تخطئ، تكافأ'' مقولة قديمة أكل عليها الدهر وشرب، ورغم ذلك لا يزال الكثير من المسؤولين في الأجهزة الحكومية يظن أنها فعالة ولذلك يتقاعس عن العمل ويمنع وسائل التواصل مع الجمهور ويعقدها لكي لا يطالبه أحد بالقيام بمهام إدارته على أكمل وجه ظنا منه أن ذلك هو السبيل الأمثل للراحة والترقي بالمناصب متناسيا أن ذلك لم يعد ممكنا وأن أثر ذلك غاية في السوء على الوطن وعلى المواطن.
أمانة منطقة الرياض بنشرها لرقم مركز الطوارئ بهذه الطريقة لتحسين جودة خدماتها وتحفيز موظفيها لأداء مهامهم على أكمل وجه من ناحية ولدفع كافة من يقع تحت رقابة الأمانة للالتزام بالأنظمة والإجراءات لكون كل مواطن رقيب وقادر على إيصال صوته بسهولة ويسر، أقول إن أمانة منطقة الرياض بفعلها الراقي والعملي هذا إنما تضخ فكرا كما تضخ خدمات، نعم تضخ فكرا يعزز ''الشكاوى'' التنموية، وأقصد هنا الشكاوى المحقة التي لها انعكاسات إيجابية على التنمية نتيجة للأداء المتميز للوصول لرضا العميل والمراجع الذي أصبح قوة يجب احترامها والحذر منها معا.
ختاما، أتطلع أن تعمم تجربة أمانة منطقة الرياض في نشر رقم مركز الطوارئ لتمكين المواطن من إيصال شكواه بكل سهولة على جميع الأجهزة الحكومية والشركات الخاصة مهما كانت صلتها بالمراجع بسيطة لكي نصل إلى أداء متميز يدعم مسيرة التنمية في بلادنا التي تشهد واحدا من أبهى عصورها في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ يحفظه الله.