استقالات التنفيذيين السعوديين من الشركات الأجنبية
حاولت دراسة التعرف على أهم الأسباب التي تدفع بأعضاء الإدارة التنفيذية من المواطنين العاملين في الشركات الأجنبية إلى الاستقالة من العمل في شركاتهم. نشرت الدراسة قبل ثلاثة أعوام في مجلة ''أبحاث'' الأعمال تحت عنوان ''كيف يستديم المديرون التنفيذيون المحليون في شركات الاستثمار الأجنبي''. وعلى الرغم من مضي مدة طويلة بعض الشيء على صدور الدراسة، إلا أن توقع نمو وتيرة الاستثمار الأجنبي في السوق السعودية واحتمالية زيادة حدة الاختلاف في وجهات النظر بين التنفيذيين السعوديين وزملائهم الأجانب في الشركات الأجنبية ومن ثم استقالاتهم تدعونا إلى مدارسة أهم أسباب الاستقالات المتوقعة بهدف التعرف على التحديات وإمكانية معالجتها قبل تفاقمها.
والدافع خلف معرفة التحديات ومحاولة معالجتها هو دافع وطني تتعدى أسواره هذه الشركة الأجنبية أو تلك إلى منظومة الاقتصاد الوطني. دافع وطني ينظر إلى أن هذه التحديات بشكل عام وتلك المتوقع وجودها في الشركات الأجنبية العاملة في القطاعات الإنتاجية الرئيسة، كالنفط والتكرير والبتروكيماوية والتعدين، قد تعوق هذه الشركة الأجنبية أو تلك من أداء دورها المنتظر منها أداؤه في الاقتصاد الوطني. دور من الأهمية أداؤه ليس على صعيد إنتاج منتجاتها وتقديم خدماتها وحسب، وإنما كذلك على صعيد تأهيل الكوادر الوطنية الفنية اللازمة ضمن الموازنات المالية المحددة ووفق المستهدفات التنموية المرسومة للمساهمة في نمو الاقتصاد الوطني واستدامته.
الجميل في هذه الدراسة أنها أجريت على الشركات الأجنبية العاملة في السوق الصينية ذات الوتيرة التي تعد الأعلى في جذب الشركات الأجنبية. شملت عينة الدراسة 139 شركة أجنبية عاملة في قطاعات إنتاجية وخدمية صينية مختلفة منتشرة في مدن بكين، وشنجن، وشانجهاي، وجوانزو خلال عام 2006.
اعتمدت منهجية جمع معلومات الدراسة على مقابلات شخصية مع رؤساء تنفيذيين أو نواب رؤساء تنفيذيين من الصينيين العاملين في الشركات الأجنبية في السوق الصينية. هدفت المقابلات الشخصية إلى التعرف على التاريخ الوظيفي لعينة الدراسة، ومدى استيعابهم للدور التنموي لشركاتهم الأجنبية في الاقتصاد الصيني، ومدى تفهمهم للمستهدفات التنموية للاقتصاد الصيني.
هدفت المقابلات كذلك إلى التعرف على مدى مساهمة التنفيذيين من المواطنين في صناعة القرار الاستراتيجي في شركاتهم الأجنبية، وطبيعة علاقاتهم مع زملائهم التنفيذيين من نفس جنسية شركاتهم الأجنبية، ومدى استثمارهم لحقوق الملكية التي يخولها لهم حجم رأس المال الصيني المشارك في شركاتهم الأجنبية، ومدى ممارستهم لحقوق الإدارة حسب عقد تأسيس الشراكة بين الشريك الصيني والأجنبي في شركاتهم الأجنبية.
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الجديرة بالتأمل. النتيجة الأولى، أن بقاء التنفيذيين من المواطنين في شركاتهم الأجنبية مقرون بحجم المساحة المعطاة لهم للمشاركة في صناعة القرار الاستراتيجي في شركاتهم الأجنبية. فكلما زادت هذه المساحة، عزف هؤلاء التنفيذيون عن الاستقالة وترك العمل في شركاتهم الأجنبية، والعكس صحيح. والنتيجة الثانية، أن بقاء التنفيذيين من المواطنين في شركاتهم الأجنبية مقرون بمتانة العلاقة وطبيعة الاندماج مع زملائهم التنفيذيين من جنسية شركاتهم الأجنبية نفسها. فكلما زادت متانة هذه العلاقة، عزف هؤلاء التنفيذيون عن الاستقالة وترك العمل في شركاتهم الأجنبية، والعكس صحيح.
والنتيجة الثالثة، أن بقاء التنفيذيين من المواطنين في شركاتهم الأجنبية مقرون بمدى استثمارهم لحقوق الملكية المنبثقة من حجم رأس المال الصيني المشارك في شركاتهم الأجنبية. فكلما زاد هذا الاستثمار، عزف هؤلاء التنفيذيون عن الاستقالة وتركت العمل في شركاتهم الأجنبية، والعكس صحيح.
والنتيجة الرابعة، أن بقاء التنفيذيين من المواطنين في شركاتهم الأجنبية مقرون بمدى ممارستهم لحقوق الإدارة المنبثقة من عقد تأسيس الشراكة بين الشريك الصيني والأجنبي في شركاتهم الأجنبية. فكلما زادت هذه الممارسة، عزف هؤلاء التنفيذيون عن الاستقالة وتركت العمل في شركاتهم الأجنبية، والعكس صحيح.
والنتيجة الخامسة، أن العاملين الرئيسين في بقاء التنفيذيين من المواطنين في شركاتهم الأجنبية مقرون، أولاً، بحجم المساحة المعطاة لهم للمشاركة في صناعة القرار الاستراتيجي في شركاتهم الأجنبية، وثانياً، بمتانة العلاقة وطبيعة الاندماج مع زملائهم التنفيذيين من جنسية شركاتهم الأجنبية نفسها. وهذان العاملان الرئيسان مرتبطان بمظلة الشريك الأجنبي وحجم تأثيره في طبيعة الشراكة مع المستثمر المحلي.
والنتيجة السادسة، أن العاملين الثانويين في بقاء التنفيذيين من المواطنين في شركاتهم الأجنبية مقرون، أولاً، بحجم استثمار حقوق الملكية المنبثقة من حجم رأس المال الصيني المشارك، وثانياً بحجم ممارسة حقوق الإدارة المنبثقة من عقد تأسيس الشراكة بين الشريك الصيني والأجنبي. وكل من هذين العاملين مرتبط بمظلة الشريك الصيني وحجم تأثيره في طبيعة الشراكة مع المستثمر الأجنبي.
النتيجة الأخيرة وغير المتوقعة للدراسة هي أن التنفيذيين من المواطنين العاملين في الشركات الأجنبية لديهم تواضع في استيعاب الدور التنموي المستهدف تحقيقه لشركاتهم الأجنبية في الاقتصاد الصيني، وتواضع كذلك في فهم هؤلاء التنفيذيين من المواطنين للمستهدفات التنموية للاقتصاد الصيني.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى تجاربنا في الاستثمار الأجنبي من واقع نتائج الدراسة. نظرة من الأهمية أن تنظر بعين مزدوجة للاستثمار الأجنبي في السوق السعودية ومثيله من الاستثمار السعودي في الأسواق الدولية. تجارب ثرية بالدروس والعبر المتباينة نتائجها بين إيجابية حققت مستهدفاتها التنموية المرسومة، وشبه إيجابية حققت جزءا من مستهدفاتنا التنموية، وغير ذلك من النتائج التي لم ترتق بعد إلى تطلعاتنا التنموية.
فعامل استيعاب التنفيذيين السعوديين العاملين في الشركات الأجنبية للدور التنموي لشركاتهم الأجنبية في الاقتصاد السعودي وكذلك عامل فهم التنفيذيين السعوديين العاملين في الشركات الأجنبية للمستهدفات التنموية للاقتصاد السعودي هما عاملان من الأهمية التأكيد على عدم وجودهما في الاقتصاد السعودي وشركاته العاملة في القطاعات الإنتاجية المختلفة داخل المملكة وخارجها. فنتائج عمل التنفيذيين السعوديين العاملين في الشركات الأجنبية وإخوانهم وأخواتهم العاملين في الشركات السعودية العاملة في الأسواق الدولية من الأهمية أن يتعدى خراجها أسوار شركاتهم إلى منظومة العملية التنموية السعودية. تأكيد من الأهمية أن يكلل بزيادة توثيق العلاقة بين التنفيذيين السعوديين وصنّاع القرارات التنفيذية في الاقتصاد السعودي مما من شأنه تحقيق نتائج أكثر إيجابية على تحقيق مستهدفات العملية التنموية السعودية.