رد المهندس النعيمي على تقرير شتهام حول الطاقة في المملكة
"الحقيقة هي قاعدة التميُّز"
ري داليو - أحد أبرز مديري المال
لا أعرف إذا ما كان هو ترتيب مسبق أم أنه أتى كرد على تقرير شتهام هاوس حول الطاقة في المملكة ("الاقتصادية" عدد 6672 وتاريخ 23/2/1433هـ)، حين تحدث وزير البترول في هذا المركز البحثي عن الطاقة في المملكة بتاريخ 30/1/2012. قرأت خطاب الوزير الذي حاول فيه تفنيد التقرير دون ذكره بالاسم والترفع عن الرد المباشر على النقاط والحقائق، فاختار الوزير أن يطمئن مواطنيه على قدرة المملكة على تلبية احتياجات وتوقعات الأسواق العالمية من ناحية، ومدى موضوعية استهلاك المملكة وعدم تأثيره في قدرة المملكة على التصدير.
أحيانا ما لا يذكر أهم بكثير مما يذكر، ولعل هذا الخطاب مثال بارز على تطور النقاش والجدل حول هذا الموضوع المفصلي في المملكة، فالطاقة كلها حتى الآن في الدائرة الهيدروكربونية (النفط والغاز)، حيث إنها تسيّر الاقتصاد موضوعياً وهي المصدر الرئيس لتمويل المصروفات الحكومية، وبالتالي فإن التشخيص والمتابعة شأنٌ يهم كل مواطن ومسؤول. الجدير بالذكر أن للمملكة محاولات أغلبها في زيادة العرض وليس إدارة الطلب.
ذكر أن النمو الاقتصادي في المملكة يصل إلى 7 في المائة، وهذا الرقم مبالغ فيه من ناحية قياس النمو الفعلي الأهم (الاسمي - ناقص التضخم)، إذ إن هذا يقارب 1 في المائة على مدى السنوات الأربع الماضية فهو كان 0.7 في المائة عام 2011. ولذلك هناك فصلٌ غير طبيعي بين النمو الاقتصادي وتزايد الإسراف في الطاقة.
لعل أهم ما لم يذكره هو أنه ليس هناك سياسة طاقة شاملة، ولم يذكر خطر تنامي الاستهلاك بمعدل 7 إلى 8 في المائة سنويا مما سيضاعف استهلاك النفط من 2.8 مليون برميل في خلال عشر سنوات. ذكر الوزير أن المملكة تملك رابع احتياطيات الغاز ولكنه لم يذكر أن استهلاك المملكة في تنام أسرع من القدرة على التوسع في الإنتاج، ناهيك عن التكلفة المتزايدة التي تبتعد أكثر وأكثر عن الأسعار المدعومة داخليا. كما لم يذكر الوزير الرابط الفاعل بين النمو الاقتصادي وتوظيف الطاقة، ففي الوقت الذي تتنافس الدول على خفض معدلات الطاقة قياسا على وحدة الدخل القومي تجد المملكة في ذيل القائمة ليس في الاستهلاك المطلق فقط، بل في نسبة الاستهلاك قياساً على وحدة الدخل القومي.
رد الوزير العارف بكل الأمور مستغرب، فالنعيمي الذي أصبح نجاحه نموذجاً على مهنية التقدم للمجتهد في المملكة، حيث ذكر البعض أنها ترتقي إلى مادة لفيلم وثائقي عن تحدي الصعاب للوصول إلى قمة الهرم النفطي.
واقعياً، سياسة الطاقة أشمل من سياسة استهلاك وتصدير النفط، وكما أن برامج وزارة العمل لا تكفي لتجسيد سياسة طاقة بشرية، فكذلك وزارة البترول لا تكفي لتجسيد سياسة طاقة. سياسة الطاقة المتكاملة تمتد إلى التحديات المالية المستقبلية والقدرة التنافسية للاقتصاد عامة.
هناك حاجة لسياسة طاقة معلنة وواضحة وبنّاءة وذات ارتباط بنموذج اقتصادي قابل للاستدامة؛ بما في ذلك التفريق بين الاستهلاك والاستثمار والعمل الموجّه فنياً وتنظيمياً أسوة بكثير من دول العالم لتخفيض استهلاك الطاقة قياساً على الدخل القومي. يذكرنا كبير الاقتصاديين لدى "برتش بتروليوم" بمركزية النفط على مدى الـ 20 سنة المقبلة، وخاصة في قطاع المواصلات، ولكن هذه فترة قد تكون غير كافية لإعادة مسيرة الطاقة إلى طريقها الصحيح في ظل تعدُّد التحديات.