رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


شركة الكهرباء والطاقة البديلة!

نُشر أخيرا تصريح لأحد مسؤولي شركة الكهرباء في الرياض حول كميات المشتقات النفطية التي تستهلكها الشركة بمعدل ما بين 400 و500 ألف برميل يوميا، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في المملكة. وذكر المسؤول أن استهلاك الوقود يرتفع سنوياًّ بنسبة 6 إلى 8 في المائة، وهي نسبة عالية بكل المقاييس. وعلى الرغم من أن سعر برميل النفط في السوق العالمية تجاوز الآن 100 دولار، إلا أن شركة الكهرباء تدفع أقل من عشرة دولارات ثمناً للبرميل الواحد، أي أقل من 10 في المائة من السعر العالمي. ورب سائل يقول، أين الخلل، ما دام أن النفط يخرج من أرضنا ويخدم شعبنا؟
وهو تساؤل في محله، ولكن الذي يهمنا في الموضوع هو أن أي دراسة جدوى اقتصادية لمشاريع شركة الكهرباء المستقبلية من أجل مقارنة التكلفة مع بدائل مصادر الطاقة المتجددة تُبنى في الوقت الحاضر على أساس السعر المُخفَّض لبرميل النفط وليس على أساس قيمته السوقية التي تساوي عشرة أضعاف السعر المحلي، كما يفرض علينا المنطق السليم. ومن المعلوم أن كميات الوقود النفطي التي يتم توفيرها في حالة استخدام البدائل المتجددة ستُباع في المستقبل بالأسعار المُتداولة دولياًّ. ولو عملنا مقارنة بين سعر تكلفة توليد الطاقة الشمسية على سبيل المثال وتكلفة توليد الكهرباء بواسطة مصادر الطاقة النفطية عند مستوى الأسعار العالمية الحالية، لوجدنا أن توليد الطاقة الكهربائية من الأشعة الشمسية في بلادنا أقل تكلفة بنسبة كبيرة من إحراق النفط الخام ومشتقاته، دون أي جدال.
ومن المُرجَّح أن أساس احتساب قيمة مُخفضة إلى أقل من عُشر القيمة الحقيقية لبرميل النفط الذي يُنقل إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية كان مبنياًّ على نظرية نحن لا نتفق مع منطوقها ولا نعتقد أنها تنطبق على وضعنا كمالكين ومنتجين لهذه الثروة الثمينة. فبموجب تلك النظرية أن إنتاج برميل النفط الفائض عن حاجة ''التصدير'' يُفترض له قيمة تقترب من الصفر، حاله كحال النفط الذي لا يزال يقبع في مكامنه تحت الأرض. وربما أن هذا التصوُّر ينطبق على الوضع الذي كان سائداً عندما كانت الشركات الأجنبية تمتلك حقول النفط بموجب اتفاقيات وعقود طويلة الأجل وتتولى هي نفسها الإنتاج والنقل والتسويق. فلم تكن تلك الشركات تستفيد إلا من الكميات التي يتم إنتاجها وتصديرها إلى الأسواق العالمية. ولذلك فقد كانوا ُيقيِّمون برميل النفط الذي لم يصل إلى سطح الأرض بما يُقارب الصفر، وكأنهم لا يملكونه إلا بعد الإنتاج. وبعد مغادرة الشركات الأجنبية تغيرت بطبيعة الحال المعادلة وأصبح للبرميل المُنتج للاستهلاك المحلي قيمة، ولكنها أقل بكثير من السعر العالمي (تطبيق النظرية نفسها). ولكن بعد أن آلت ملكية هذه الثروة الغالية بالكامل إلى الدولة، أليس من المقبول أن نساوي قيمة الثروة النفطية المتبقية في باطن الأرض والقابلة للنضوب مع الأسعار العالمية؟ فمن المؤكد أن سعر برميل النفط خلال العقود المقبلة سيرتفع إلى أضعاف أسعاره الحالية، فلماذا نُقلل من أهميته ونسمح لشركة الكهرباء بإحراقه بإسراف كما لو كنا نود القضاء عليه، ونحن لدينا البديل الأقل تكلفة لتوليد الطاقة الكهربائية؟ والغريب في الأمر أن شركة الكهرباء آخر منْ يُفكر في التحول إلى مصادر الطاقة البديلة والاستثمار في مرافقها، حتى تكون رائدة في هذا المجال، بصرف النظر عن القيمة التي تُحسب عليها الآن كثمن للوقود.
ومن المفترض، حسب فكرة النظرية آنفة الذكر، أن المبلغ الزهيد الذي يُتحصل من شركة الكهرباء أو أي مستهلك محلي آخر، سيُستثمَر في المعاملات البنكية لينمو إلى المستوى الذي يتوقّع أن تكون عليه الأسعار بعد عدة عقود. والعمل بهذه الطريقة سيحُول دون إمكانية استغلال ثروتنا بالطرق المُثلى. فكأننا، بموجب المنطق نفسه، لا نمانع في بيع أي كمية من النفط تزيد على طلب السوق بأسعار مُتدنية من أجل أن نودع القيمة في البنوك الاستثمارية. وإذا كانوا يُطلقون على النفط صفة ''الذهب الأسود'' وهو فعلاً كذلك، فلماذا لا نعامل الباقي منه في الأرض كالرصيد المالي من الذهب الأصفر المودَّع في البنك؟
ونود أن نطرح تساؤلا بسيطاً من واقعنا ومن طبيعة حياتنا، هل نحن فعلاً سنستطيع المحافظة على تلك المبالغ ونستثمرها في الحسابات البنكية لعقود طويلة، من أجل أن تنمو إلى أضعاف كثيرة لصالح الأجيال المقبلة كما تقول النظرية؟ ذلك ضرب من الخيال! ففي الواقع أن أي دخل من المال مهما كان مصدره ومقداره سيدخل في حساب الميزانيات العامة ويكون عرضة لتقلبات الوضع المالي للدولة، تصرف منه متى شاءت. والأمر الآخر، هو أن أسعار الطاقة، وعلى وجه الخصوص أسعار النفط، من المؤكد أنها ستستمر في الارتفاع إلى مستويات قياسية خلال السنوات المقبلة، قد تصل إلى مئات الدولارات للبرميل الواحد. ولن يكون مُستبعداً أن يصل سعر البرميل إلى ضعف المبلغ الذي يتوقع أصحاب النظرية جمْعه من استثمار القيمة الحالية المخفضة، هذا إذا لم يتعرض للنفاد. ولعل أقل ما يمكن أن نقوله عن حرق النفط الخام لتوليد الطاقة الكهربائية، بدلاً من استخدام البدائل المتجددة مثل الطاقة الشمسية كاختيار أفضل بيئياًّ واقتصادياًّ، هو هدر غير مقبول لثروتنا الناضبة. ويكفي ما تُعانيه البلاد من إسراف هائل في استهلاك المشتقات النفطية بوجه عام، وخاصة في وسائل النقل الذي نجد صعوبة كبيرة للسيطرة عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي