رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الجانب السلبي لارتفاع أسعار الأسهم

منذ أواخر العام الماضي، كانت سلسلة من التطورات الإيجابية سبباً في تعزيز ثقة المستثمرين ودفعهم إلى التكالب على الأصول الخطرة، بداية بالأسهم والسلع العالمية. كما تحسنت بيانات الاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة؛ وظلت الشركات الممتازة في الاقتصادات المتقدمة مربحة للغاية؛ ولم تتباطأ الصين والأسواق الناشئة إلا بقدر معتدل؛ وانحدر خطر التخلف غير المنضبط عن سداد الديون و/أو خروج بعض الدول من منطقة اليورو.
فضلاً عن ذلك، فإن البنك المركزي الأوروبي يبدو الآن تحت إدارة رئيسه الجديد ماريو دراجي على استعداد للقيام بكل ما يلزم للحد من الإجهاد المفروض على النظام المصرفي في منطقة اليورو وحكومتها، وكذلك خفض أسعار الفائدة. كما بادرت البنوك المركزية في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة إلى ضخ كميات هائلة من السيولة. فهدأت التقلبات وارتفعت الثقة وتراجع العزوف عن خوض المجازفة ــ في الوقت الراهن.
ومن ناحية أخرى، لا يعمل التقشف المالي على دفع بلدان منطقة اليورو الطرفية إلى السقوط الاقتصادي الحر فحسب، بل إن فقدان القدرة التنافسية هناك سيستمر مع تسبب تراجع خطر التخلف غير المنضبط عن سداد الديون في تعزيز قيمة اليورو. ولكي يتسنى لهذه البلدان أن تستعيد القدرة التنافسية والنمو فإن اليورو لا بد وأن يهبط باتجاه التعادل مع قيمة الدولار الأمريكي. وفي حين يتراجع الآن خطر تخلف اليونان غير المنضبط عن سداد ديونها، فإن الحال ستتبدل لينشأ هذا الخطر من جديد في وقت لاحق من هذا العام مع تحول الركود في اليونان إلى كساد بسبب عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات المدنية والمزيد من التقشف المالي.
ثانيا، هناك من الأدلة الآن ما يشير إلى ضعف الأداء في الصين وبقية بلدان آسيا. ففي الصين كان التباطؤ الاقتصادي الجاري الآن جلياً واضحا. كما هبط نمو الصادرات بشكل حاد ليتحول إلى سلبي في مقابل بلدان منطقة اليورو الطرفية. أما نمو الواردات، الذي يُعَد بمثابة الإشارة إلى زيادة الصادرات في المستقبل، فقد هبط هو أيضا.
وفي أماكن أخرى من آسيا، تقلص اقتصاد سنغافورة للمرة الثانية في غضون ثلاثة أرباع بحلول نهاية عام 2011. وتتوقع حكومة الهند نمواً سنوياً للناتج المحلي الإجمالي يبلغ 6.9 في المائة في عام 2012، وهو أدنى معدل منذ عام 2009. كما انزلق اقتصاد تايوان إلى الركود الفني في الربع الأخير من عام 2011. ولم يتجاوز نمو الاقتصاد في كوريا 0.4 في المائة في نفس الفترة ــ وهو أدنى مستوى على مدى عامين ــ في حين انكمش الناتج المحلي الإجمالي في اليابان بنسبة أكبر من المتوقع (2.3 %) بعد تراجع الصادرات بسبب قوة الين.
ثالثا، رغم أن البيانات القادمة من الولايات المتحدة كانت مشجعة بشكل مدهش، فإن زخم النمو الأمريكي يبدو وكأنه بلغ ذروته. ذلك أن تشديد القيود المالية سيتصاعد في العامين 2012 و2013، وهو ما من شأنه أن يسهم في تفاقم التباطؤ، فضلاً عن انتهاء العمل بالمزايا الضريبية التي عززت من الإنفاق الرأسمالي في عام 2011. علاوة على هذا، ونظراً للوعكة المستمرة في قطاع الائتمان وأسواق الإسكان، فإن الاستهلاك الخاص سيظل ضعيفا؛ بل إن نقطتين مئويتين من التوسع الذي بلغت نسبته 2.8 في المائة في الربع الأخير من عام 2011 ترجعان إلى ارتفاع المخزون وليس المبيعات النهائية. وأما عن الطلب الخارجي، فإن الدولار القوي عموما، إلى جانب التباطؤ العالمي وتباطؤ منطقة اليورو، سيتسبب في إضعاف الصادرات الأمريكية، في حين أن أسعار النفط التي لا تزال مرتفعة ستؤدي إلى ارتفاع فاتورة واردات الطاقة، وبالتالي المزيد من إعاقة النمو.
بعبارة أخرى، هناك العديد من الأمور التي قد تسوء في الشرق الأوسط، وأي مزيج منها قد يذكي المخاوف في الأسواق ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات أعلى كثيرا. وعلى الرغم من ضعف النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة والتباطؤ في العديد من الأسواق الناشئة، فإن أسعار النفط تدور بالفعل حول 100 دولار للبرميل. لكن عامل الخوف قد يدفع أسعار النفط إلى مستويات هائلة، مع ما قد يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية متوقعة على الاقتصاد العالمي.
في ظل هذا العدد الهائل من المخاطر في العديد من مناطق العالم، فمن غير المستغرب أن يحرص المستثمرون كل الحرص على الاحتفاظ بالسيولة في محافظهم الاستثمارية، بينما يتجنبون الأصول الثابتة الأكثر خطراً مرة أخرى عندما تتحقق هذه المخاوف. وهذا في حد ذاته سبب آخر يجعلني أعتقد أن الاقتصاد العالمي يظل بعيداً كل البعد عن تحقيق التعافي المتوازن المستدام.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي