رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


«اقتصاديات الصحة» ومستقبل الخدمات الصحية (2 من 2)

هذا سيجعل خططنا الخمسية لا تحتاج إلا إلى تقديم أو تأخير لبعض المشاريع والبرامج التي ستفيد في وضع المؤشرات في مستوياتها الطبيعية، وتجعل صاحب الصلاحية والمسؤول على اطلاع مباشر بحركة المؤشرات الصحية وكأنها أسهم تتحكم فيها السوق. فيحدد العوامل المختلفة التي تتحكم فيها، ومن ثم يقدم علاج أحد التحديات في عام ويؤخر آخر لعام آخر. هذا سيساعد أيضا في عملية التقييم والتقويم الشاملة على أساس أن الخطط مرنة فيما يمكن أن تكون مرنة فيه.
نريد مثلا أن نستفيد من دخول تقنية المعلومات في صلب كل استراتيجية ومكونات كل مشروع صحي (وغير صحي أيضا). لا يختلف اثنان على أن تقنية المعلومات أثرت في توجيه المجالات نحو طريق قاد المشاريع للاستغناء عن البشر في كثير من المجالات، ولكن في المجال الصحي لا يزال الطلب على الممارسين الصحيين بفئاتهم المختلفة موضوعا يتحدى أكبر وأكثر الدول تقدما. هل اقتصادياتنا أشارت إلى هذه النقطة بالتحليل المناسب، حيث إن العدد أمر واقع، ولكن النوع والتخصص والمستوى وجودة الأداء المهاري مواضيع تحتاج إلى أن تأخذ وضعها في الجداول الإحصائية والرسوم البيانية والعلاقات الرياضية. كما أنها ستقدم للمستثمرين مستويات الأنشطة ومدى جدوى الاستثمار في نشاط عن آخر بالنظر إلى قيمة كل متخصص في السوق.
صناعياً فلا بد من الدخول فيها بقوة، فمثلا لو حرصنا على أن تكون مكونات دورات المياه من المنتجات السعودية بالكامل فإن عشرات المدن الطبية ومئات المستشفيات وآلاف المراكز الصحية الحكومية والخاصة ستكتب من جديد معايير واشتراطات اعتماد الصناعات المختلفة وجودتها في بلدنا الحبيب. كما أننا لو قدرنا كم مكونات الملزمة الطبية (بأنواعها المختلفة) المستخدمة على مدار اليوم في كل المرافق الصحية بالمملكة لوجدنا أننا بجعلها ''وطنية الصنع'' سنتجاوز تاريخ الصلاحية ومشكلة البلاستيك وتوفرها على مدار العام... إلخ من مشاكل يعرفها العاملون في المجال أنها مكلفة ماليا وصحيا. النسيج والألمنيوم عناصر لمكونات سنتجاوز بهما تكلفة وسائل النقل. كما أن بالخطط الواثقة الصارمة سنصنع الأغذية الخاصة لبعض المرضى ونوفرها لأن الخام متوافر. وسنوفر أصنافا جديدة من الأدوية مشتركين في ذلك مع دول الخليج لنكتفي في معظم قائمة الأدوية العلاجية الرئيسة ولا نحتاج لتخزين أو خلافه بشكل كبير.
كل ذلك يجعلنا نحصر شكوانا في توافر الموارد البشرية المتخصصة؛ حيث إنها مشكلة لم تصل بعد أي دولة لحل قاطع فيها. في هذا الموضوع وبشيء من الصبر مع العمل الدؤوب وعدم اللجوء للقرارات غير المدروسة سنكون أفضل إن لم نكن الأفضل في عام 2020. إن بوضعنا لجدول النسب الخاص باحتياجنا من الموارد البشرية الطبية والصحية المهنية والأكاديمية أمام أعيننا كمشرعين ومسؤولين ومنفذين سنكون أقدر على التحرك في أي اتجاه. لا شك أن هذا يستدعي أن يكون ''الجدول'' في كل وزارة وهيئة لها دور محوري في الشأن الصحي واحدا وموحدا وتعتمد عليه في إصداراتها، لا أن يكون متغيراً.
أختم بالقول إن المتغيرات التي بدأت تتحكم في تغيير مسار اقتصاديات الصحة باتت متشكلة ومختلفة في مستوى الأهمية. كما تغيرت بذلك مواقع بعضها ودخلت متغيرات جديدة للخريطة. في السابق كانت المرتكزات متغيرة في المواقع لا في المحتوى، وقد حصرت في (1) زيادة السكان حيث إن التعداد في تزايد وهذا يشكل قوة ضغط على الفاتورة الصحية. هذا طبعا انتقل إلى (2) تغير نسبة شرائح المجتمع العمرية التي بدأت فيها الفئة العمرية لأقل من 15 عاما تتزايد بشكل مطرد وبنسب عالية. بالاهتمام بهذه الفئة ابتداء من التحصين ومن ثم الزيارات المتكررة أثر ذلك على (3) العمر المتوقع للإنسان، حيث طال عمر الفرد بنسبة كبيرة مما يزيد من حجم المشكلة. من ناحية أخرى، فإن (4) زيادة أنواع الأمراض العصرية المبنية على أنماط المعيشة، و(5) ارتفاع المستوى الثقافي والتعليمي للأفراد وبالتالي المجتمعات. و(6) تعزيز مستوى دعم الدولة في كثير من الدول. و(7) تحسين أنشطة السياحة وتضمينها العلاج لتكون السياحة العلاجية إحدى العلامات في الخدمات الصحية. ونمو (8) التأمين الصحي بحسناته وسيئاته؛ حيث أثر في المجتمع فحرك مياها راكدة وساهم في إيجاد فقاعات في مواقع أخرى.
المتغيرات الحديثة كمجالات دخلت قريبا مثل: (1) عبء المراضة المزدوج، حيث لدينا في المجتمع مصابون بأحد الأمراض المزمنة أو عدد منها وفي الوقت نفسه يعانون أمراضا معدية بكتيرية أو فيروسية أو طفيلية. (2) ضعف تأهيل وتدريب الممارسين الصحيين والأطباء مما يجعل التعامل مع الأفراد من المرضى وغيرهم في وضع لا يمكن أن يكون مشجعا أو مبشرا بتحسن معالجة المخاطر وإدارة الأزمات. (3) ضعف أو غياب البنى التحتية الجيدة في المناطق البعيدة أو النائية مع (4) نقص حاد في إعداد القوى العاملة المتخصصة في التخصصات الفرعية الحديثة. كل ذلك يحتاج منا إلى دراسات لا تقف عند حد. فلنواصل الليل بالنهار، فلم يبق لنا الكثير في هذه الدار، والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي