رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


المطلوب تطهير سوق الأسمنت من الانتهازيين

تحاول وزارة التجارة والصناعة أن تنفي وجود سوق سوداء للأسمنت، وبالتحديد في مدينة جدة، ولذلك فإن مصدرا مسؤولا في الوزارة صرح بأن الأسمنت موجود في السوق وأنه يستغرب ارتفاع أسعاره!
ونحن ــــ بدورنا ـــ نستغرب أن تطرح وزارة التجارة هذا السؤال على الناس، لأن المفروض أن تتولى الوزارة عمليا الإجابة عن: لماذا ترتفع أسعار الأسمنت، ولماذا تنتشر الأسواق السوداء للأسمنت في مناطق عديدة من المملكة، وبالذات في مدينة جدة.
إذا كانت الوزارة تقول إن الأسمنت متوافر في سوق جدة، وهذا غير صحيح ألبتة، لأن مدينة جدة ما زالت تعاني سوقا سوداء في جميع مساحاتها الشاسعة الواسعة، وأذكر ــــ على سبيل المثال ــــ أن صديقا جاءني وقال لي: أنا شخصيا في هذه اللحظة أحتاج إلى 2000 كيس أسمنت لكي أستكمل بناء سكن لأبنائي، فهل يستطيع فرع وزارة التجارة في جدة أن يؤمن لي ــــ بالسعر الرسمي أو حتى بأسعار السوق السوداء ــــ هذه الكمية البسيطة؟!
إن وزارة التجارة لم تشعرنا للأسف أنها تعطى هذا الموضوع الاهتمام الجدير به، رغم أن العجز في الأسمنت المعروض في السوق يتهدد مشاريع التنمية الكبرى، ناهيك من أن الحديد بدأ يلوح بالدخول في المشكلة نفسها!
أقول إن وزارة التجارة في أمس الحاجة إلى القيام بجهد مضاعف كي تحل مشكلة غياب الأسمنت عن السوق، بل واجبها أن تباشر عمليات ضبط أسعار كل مواد البناء وفى مقدمتها الأسمنت والحديد، لأن أسواقا عديدة طامعة بدأت ـــ وفقا لما نشرته ''الاقتصادية'' في الأسبوع الماضي ــــ تهدد بأزمات في أسعار الأسفلت وأزمات في الديزل وفي بعض السلع الغذائية!
إن المناخ العام في سوق مواد البناء ينذر بأننا نقترب من سلسلة أزمات ستشهدها تباعا سوق مواد البناء، فإذا لم تستطع الوزارة أن تحل مشكلة ارتفاع أسعار الأسمنت فإن الانتهازيين في السوق يستعدون إلى بدء جولة جديدة، وفي هذه المرة فإن أسعار الحديد وأسعار مواد البناء الأخرى سترتفع.
ودعونا نقول صراحة نخشى أن يصبح السوق في قبضة الانتهازيين، وسيكون المتضرر الأول هي برامج التنمية المستدامة.
ونعترف بأن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأسمنت هي أسباب مركبة، فأصحاب المصانع يقولون إن انخفاض الإنتاج سببه العجز في إمدادات الوقود من شركة أرامكو، ومما لا شك فيه فإن الطلب على الأسمنت زاد بشكل ملحوظ مع نزول مشاريع الإسكان والقطارات وبناء الجامعات والمطارات والسدود والجسور والطرق والملاعب الرياضية، ومن ناحيتهم فإن أصحاب الشاحنات يقولون إن الوقوف في صفوف طويلة ولأيام عديدة يرفع تكاليف الشحن، ووسط هذا اللغط يقوم الانتهازيون بإخفاء كميات من الأسمنت من السوق ويسعون إلى تعطيش السوق حتى ترتفع أسعارها.
كل هذه العوامل مجتمعة هي التي أدت إلى انخفاض المعروض من الأسمنت وارتفاع أسعاره في السوق المحلية، ولذلك فإن المطلوب من وزارة التجارة والصناعة التعامل مع كل هذه الأسباب مجتمعة لحل المشكلة، وإن لم تتحرك الوزارة من الآن لمواجهة احتمالات ارتفاعات قادمة على أسعار الحديد والأسمنت فإن موقف الوزارة سيكون محرجا للغاية.
ولذلك يجب أن تعير الوزارة اهتمامها بالشكاوى التي ما فتئ أصحاب مصانع الأسمنت يرفعونها إلى مقام الوزارة، ومن الشكاوى التي يطرحها أصحاب مصانع الأسمنت أن البيع بسعر 13 ريالا للكيس وهو السعر المحدد منذ ما يقارب الـ 30 عاما لا يعبر عن التكلفة الحقيقية، ولذلك فإن سعر الـ 13 ريالا للكيس ليس منصفا الآن، كذلك فإن المطلوب من شركة أرامكو أن توفر الوقود للمصانع بالكميات المطلوبة وبالأسعار السابقة نفسها.
في ضوء ذلك أقترح على وزارة التجارة والصناعة أن تحضر نفسها لزيادة متوقعة في أسعار المواد الغذائية في المدى القريب، أما في المدى البعيد فعلى وزارة التجارة أن تسابق الزمن وتمنح تراخيص إنشاء مصانع جديدة للأسمنت وتضع التدابير الضرورية لزيادة طاقة إنتاج الحديد، حتى لا تفاجأ بأزمات لا تقوى السوق على حلها.
إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أصدر في العام الماضي أمرا بدعم ميزانية وزارة التجارة والصناعة بـ 60 وظيفة جديدة لزيادة كفاءة الوزارة في الرقابة على الأسواق، ولكن يبدو أن كفاءة الوزارة في الرقابة على الأسواق ظلت عند حالها، وهنا يأتي دور هيئة مكافحة الفساد التي نفرد لها فيما بعد مقالا مستقلا.
إننا نعترف بأن الحكومة ليست المسؤولة وحدها عن ضبط الأسواق، المسؤول عن ضبط الأسواق بالتضامن مع الحكومة هو المصنع والموزع والبائع والمشتري، نعم نحن جميعا مسؤولون، بالتضامن، عن أسعار السلع والخدمات في جميع الأسواق، لأن الأضرار التي ستلحق بالاقتصاد الوطني نتيجة التلاعب بأسعار السلع الاستراتيجية ستلحق أضرارا بالغة بالجميع.
إذن واجب الجميع أن يكونوا يدا واحدة ضد الأسواق السوداء وضد الاحتكار وضد التلاعب بأسعار السلع والخدمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي