ندوات الجنادرية .. إشادة برؤية الملك الإصلاحية .. و«خرائط طريق» للحلول
سجلت الندوات الثقافية الدورة السابعة والعشرون من المهرجان الوطني للتراث والثقافة معدل إقبال غير مسبوق، متفوقة في ذلك على عدد من الأنشطة الثقافية المنبرية التي شهدتها المملكة أخيرا، وقد أرجع عدد من ضيوف المهرجان والمثقفين الحاضرين ذلك إلى اتجاه البرنامج الثقافي هذا العام إلى معالجة قضايا ساخنة من صميم المتغيرات الإقليمية والمستجدات الحضارية التي يشهدها العالم وهو ما يعد تحولاً نوعياً من النمط المنبري المعتاد وأوراق العمل التي تناقش المصطلحات النظرية إلى تفعيل حالة من النقاش المفتوح يتبادل فيها المتحدثون والجمهور أدوارهم، وهو أمر يبدو طبيعيا في وجود عدد من الأكاديميين والمحاضرين العرب والعالميين بين حضور الندوات.
أبرز ملامح البرنامج الثقافي كانت قراءته للواقع السياسي العربي من منطلقات تحليلية هادئة وعبر وجهات نظر فكرية واستراتيجية، شارك فيها عدد من الشخصيات تنتمي إلى أكثر من ثقافة، وهو ما وفر أكثر من زاوية لرؤية الأحداث الراهنة، إضافة إلى التركيز على تحديد خطوط واضحة لموقف المثقف ودوره حيال ما يجري حوله من أحداث، وعلاقته بمراكز صنع القرار وتأثيره في مستوى الرأي العام وصناعة الموقف الجمعي، وفي الحالتين وضع ضيوف الجنادرية من المتحدثين والمشاركين في أوراقهم ومداخلاتهم ما يشبه ''خرائط طريق'' تتضمن رؤية الفكر لمعالجة الأزمات انطلاقا من سياقاتها التاريخية وطبيعتها ومؤثراتها المختلفة.
شهدت ندوات هذه النسخة من الجنادرية طرح جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة، وهي جدلية لطالما طرحت للنقاش ولكنها تختلف هذه المرة مع التغيرات الإقليمية التي أعادت تشكيل هذه المعادلة بطريقة جديدة أصبح المثقف فيها جزءا من السلطة، ليقف إزاء تحديات قيمية تتصل بمبادئه التي تبناها لوقت طويل، وهو الوضع الذي درسه مفكرو الجنادرية في هذه الندوة، مختلفين في طروحاتهم بين من يرى نجاح نماذج ثقافية في ممارسة السلطة بطريقة بناءة ونموذجية في ناتجها السياسي والاجتماعي، ومن يرى أن بريق المنصب قد يكلف المثقف فقدان مقدرته التأثيرية من حيث يفترض فيه أن يمتلكها أكثر من ذي قبل، في حين اعتبر فريق ثالث أن العلاقة بين المثقف والسلطة علاقة مركبة وليست بسيطة، ولفتوا إلى أهمية تحويل الثقافة إلى قيمة منتجة على مستوى الابتكار والبحث وخدمة المصلحة العامة.
في جانب آخر، طرحت ندوة ''المثقف والمتغيرات السياسية'' مفهوم التأثير الثقافي على المجتمع ومسؤولية المثقفين تجاه تعزيز قيم القانون والعدالة، حيث قال الدكتور سعيد السريحي إن المتغيرات التي شهدتها بعض المجتمعات لم تكن من نتاج المثقفين، بل من فعل الوعي الجمعي للجمهور، وإن المثقف هو من عاد ليستفيد منها لاحقاً''.
أما فيما يتعلق بمحور الندوة التي تحدثت عن رؤية الملك في الإصلاح المالي والإداري ومكافحة الفساد فقد رأى عدد من مثقفي الجنادرية وضيوفها أن هذا الموضوع يؤكد العمق الفكري للمملكة وتمتعها بالنظرة العميقة في تبني منهجية التقويم والتطوير. الدكتور سلطان القحطاني قال إن رؤية خادم الحرمين الشريفين كانت ثاقبة ومتقدمة وقد قابلتها ردود فعل إيجابية على أكثر من صعيد، مشيرا إلى أن الأمور الإيجابية تحتاج دوما إلى تطوير، وأن الإصلاح لا يعني فساد الأمور كلها، بل يعزز قيمة المعالجة والتقويم وصولا إلى تطوير المنتج العام أيا كان، وأشار القحطاني إلى أن اختيار هذا المحور من الجنادرية للمناقشة يمثل الحاجة الطبيعية إلى فهم أهمية التجديد والإصلاح في المجتمعات، واعتبر أن المملكة شرعت فعليا في مبادرات حضارية لإصلاح قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد، وقد تجسد هذا في إنشاء مدن طبية واقتصادية ومرافق علمية وتنموية مختلفة.
جمعة شيخة، الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية في تونس، قال إن الملك عبد الله يسير في الطريق الصحيح برؤيته الإصلاحية التي تسعى لتحويل المجتمع من السقوط في الفساد إلى العمل الجدي والمثابرة ومعرفة قيمة الوقت والعمل، فيما علق الشاعر مروان نديم بقوله ''من الجميل أن يختار هذا الموضوع ضمن محاور الجنادرية، فقد اطلعنا عليه وأعجبنا كونه بادرة إيجابية يجري تطبيقها على أرض الواقع، إن الوصول لهذا الأمر يحتاج إلى بذل الكثير في أي مؤسسة كانت، وقد أحسن خادم الحرمين عندما اهتم بهذا الجانب، وهو ما يؤكد الرؤية التقدمية التي يملكها كرجل سياسي محنك جمع ثقافة رجل الصحراء مع ثقافة الحياة المدنية''.