رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حمزة كاشغري بين الفلسفة والواقع

استمعت إلى مقابلة الدكتور أحمد التويجري المعنونة "الحرية قبل الدين" والمداخلات خاصة من أم حمزة والأمير خالد بن طلال. ذكرتني هذه المقابلة بالمفكر الهولندي سبينوزا الذي عاش في القرن السابع عشر وكتب مقطوعته حول الدين والسياسة في عام 1670، والتي سبّبت حالة من التشنج والامتعاض في هولندا والغرب. تقوم فلسفة سبينوزا على مركزية الحرية في المجتمع، ولكنها ليست حرية مطلقة. حمزة كاشغري أقحم نفسه بوعي أو دون وعي في ثنايا تقاطع الفلسفة مع تدابير حالة مجتمعية لم تكتمل. كان ذلك واضحاً من حديث التويجري والمداخلات، حيث إن النقاش والوعي بالمرحلة لم يكن مكتملا إذا لم يفرق بين الأسس الفلسفية فكريا أو مرحليا (الجغرافيا والتاريخ) وبين الحالة الخاصة.
عندما بدا أن هناك ردة فعل قوية فكرياً وسياسياً ضد الكنيسة الإصلاحية الهولندية من خلال المنع والضغط للحد من الحرية رأى سبينوزا أن هناك خطراً على المجتمع من أناس في الكنيسة لديهم ضيق في الفكر ورفض الآخر. يعتقد سبينوزا أن الحرية مصدرها الحق الطبيعي ومن ثم حرية المعتقد، إذ يقول إنه من المستحيل السيطرة على العقل وإجبار فرد لآخر بتبني معتقده أو فكره، وهنا سبقه القرآن الكريم في الآية الكريمة "لا إكراه في الدين" سورة البقرة آية 256. في نظر سبينوزا كلما قلت مساحة الحرية زاد الاستياء إلى حد الرفض والعصيان. ولذلك فإن المجتمع الذي يقيد الحريات في الأخير لا يتقدم، حيث إن لغياب الحريات دوراً نفعياً مباشراً في أداء المجتمع، فالعلوم والفنون والنمو الاقتصادي تزدهر مع الحريات وتزداد فرصة الإبداع من خلال تشجيع سوق الأفكار. يذكرنا أنه ليس هناك تجريم في طرح الأفكار الفلسفية خاصة، ولكن سبينوزا ذكر أيضا أنه ليست هناك حريات مطلقة، حيث لا يمكن السماح بالشقاق والعصيان إلى حد الإخلال بالعقد الاجتماعي، إذا على الدولة (الحكومة والمجتمع) إيجاد المعادلة المناسبة لظروف المكان والمرحلة للحفاظ على تأمين المجتمع فكريا وسياسيا وقدرته على التقدم. لا يمكن أن يكون التقدم بديلا عن الحرية ولا يمكن للاستقرار أن يكون بديلا عن التقدم.
في نظري، الرهان على مكتسبات الغرب أو غيره لم يعد كافياً لحل معضلات التنمية الشاملة لدينا، فالإرث الإنساني والتجربة الحضارية وضغط الزمان وتسارع المعلومات والطبيعة التراكمية للاستفادة من المعارف خلقت واقعاً جديداً. لم يبق إلا قبول التحديات بذهنية مفتوحة وترتيب الأولويات. من هذا المنطلق قد تكون أو لا تكون حالة حمزة محطة صغيرة في قطار الجولات الفكرية والصولات المجتمعية لتأكيد مرتكزات العقد الاجتماعي وعدم الوقوف عندها طويلاً، فلا الزمان ولا المرحلة تسمح طويلا. يبدو لي أن حمزة الناشط وابن المجتمع لم يسعفه لا المكنوز المعرفي ولا الحصافة الشخصية ولا التجربة العلمية والعملية للدخول في هذا الجدل القديم الجديد. الأحرى أن يأخذ بيده المجتمع ويقبل توبته لما يقرره الشرع ويعطيه فرصة أكبر للتعليم وخدمة أمه ومجتمعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي