رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل اقترب أفول عصر النمو الاقتصادي

هذا العنوان قد لا يُعجب الاقتصاديين والمُتخصصين في علم الاقتصاد، ولكنها الحقيقة المُرًّة التي لا مناص من القبول بها وليس هناك أي مجال لاستبعاد احتمال حدوثها خلال العقود القليلة المقبلة، إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه اليوم من استنزاف مخيف لمصادر الطاقة التقليدية الرخيصة. وليس سراً أن نُذكِّر هنا أن نسبة كبيرة من الاقتصاديين لا يودون الاعتراف بأن هناك شيئا اسمه ذروة الإنتاج النفطي، لأنهم يُدركون أن ذلك يعني توقف النمو الاقتصادي، وهو أمر لم يعهده النظام الرأسمالي منذ عقود طويلة. فمعلوم لدى الجميع أن الطفرات الاقتصادية التي شهدها المجتمع الدولي خلال السنوات الماضية والنمو الاقتصادي السريع الذي صاحب تلك المراحل كانت كلها وليدة توافر الطاقة النفطية بأسعار مُتدنية وزهيدة للغاية. وهذا يعني بما لا يدع مجالاً للشك أن أي نقص حاد في إمدادات مصادر الطاقة في المستقبل سيكون له تأثير سلبي كبير في مُجمل نمو الاقتصاد العالمي. وهذا يعود إلى اعتماد الاستهلاك خلال العقود الماضية وإلى درجة كبيرة على مصدر واحد للطاقة وهو النفط. ومما ضاعف من أهمية مصادر الطاقة النفطية كأساس للنمو الاقتصادي خلال تلك العقود، ولا تزال، توافرها بكميات ضخمة وسهولة إنتاجها ونقلها ويسر مناولتها وارتفاع مستوى طاقتها الحرارية، إلى جانب تدني أسعارها إلى حدٍّ لا يتناسب على الإطلاق مع المردود الكبير العائد على استخدامها في جميع المجالات. وقد أدى ذلك إلى بناء بنية تحتية واسعة حول العالم تشمل جميع ما يختص بالصناعة النفطية ووسائل المواصلات التي تعتمد عليها، بتكلفة تبلغ عشرات التريليونات من الدولارات. وهو ما يوجب لفت النظر إلى أن أي تحول جوهري في إمدادات الطاقة على مستوى العالم إلى مصادر متجددة تختلف مكوناتها عن طبيعة النفط، فمن المؤكد أننا سنضطر إلى بناء بنية تحتية جديدة مماثلة وبالمقاس نفسه تناسب استخدام المصدر الجديد وبالتكلفة ذاتها.
تلك الظروف التي كانت سائدة في السوق النفطية، والمتمثلة في ضعف الأسعار ووفرة المعروض، كانت المحرك الرئيس للنمو غير الطبيعي للاقتصاد العالمي خلال عقود الازدهار الصناعي، ابتداء من أواخر الخمسينيات الميلادية. وحتى بعد بدء الارتفاع النسبي للأسعار في منتصف السبعينيات، كان هناك فائض نفطي كبير في السوق استمر في دفع عجلة النمو الاقتصادي التي لم تتمهل إلا في أواخر العقد الماضي عند ما ظهرت بوادر احتمال حصول نقص في إمدادات مصادر الطاقة، بسبب استمرار نمو الطلب العالمي وغياب نمو المعروض. وهذا مؤشر يُنذر بانتهاء عصر الرخاء والنمو الاقتصادي غير المحدود. وبما أن النظام الرأسمالي الحديث، الذي يعتمد عليه الاقتصاد العالمي، مبني أساساً على توفير واستخدام الطاقة النفطية الرخيصة التي أوشكت على الوصول إلى قمة عطائها وتُطل الآن على مرحلة البدء في الانخفاض، فإن النمو الاقتصادي سيسير ببطء شديد حتى يصل إلى تمام التوقف. وذلك عند ما تفقد السوق نسبة كبيرة من الإنتاج النفطي قبل أن تتوافر بدائل مناسبة وبكميات كبيرة، تملأ الفجوة بين الطلب المتزايد والمعروض، وهو أمر لم يُعره المجتمع الدولي بعد ما يستحق من الاهتمام من أجل ضمان استمرار عهد الرخاء الاقتصادي.
ومن السابق لأوانه أن نفترض مقدار الصدمة العنيفة التي قد تصيب النظام الرأسمالي جراء حدوث النقص المتوقَّع في مصادر الطاقة. وإذا ـــ لا قدر الله ـــ تعرضت المصادر التقليدية لشح في الإمدادات قبل أن نوفر البدائل، فسيُؤثر ذلك في المقام الأول في قدرة المؤسسات الصناعية والخدماتية وأصحاب الأعمال على تسديد فوائد الديون للبنوك المُقِرضة، ناهيك عن عدم إمكانية رد المبالغ المستَقرَضة. هذا الطرح حول مسائل مصيرية تطول وجودنا وحياتنا، وعلى الرغم من واقعيته، إلا أنه ربما لا يُرضي الذين لا يرون المستقبل بعين الحاضر. والبعض منا يتذكر كيف كانت محتويات التقارير الفنية والتحليلية التي كانت تُصدرها كثير من الهيئات الدولية والخاصة المتخصصة في شؤون مصادر الطاقة حول مستقبل الإمدادات، وكان معظمها يميل إلى التفاؤل المفرط، حتى إنك لا تشعر أن هناك نهاية محتومة لكل مادة قابل وجودها للنضوب. وخلال السنوات القليلة الماضية تغير فجأة مضمون تلك التقارير الدورية وبدأت تقترب من الواقع الذي يجب أن يُثير لدينا الإحساس بأهمية الاستعداد لما بعد النفط حتى ولو بعد عدة عقود. ولا نستبعد أن تظهر علينا التقارير الجديدة في أي وقت لتنبئنا بأخبار ومعلومات تحثنا على الحراك نحو التسارع باتجاه إنشاء مرافق مصادر الطاقة البديلة قبل أن يُداهمنا الوقت ونفقد القدرة المالية على الاستثمار في مُنشآتها.
وإذا فقد المجتمع الرأسمالي السيطرة على النمو الاقتصادي التقليدي الذي بنى عليه حضارته الحديثة، بسبب نقص في مصادر الطاقة، فأي نظام مالي آخر يصلح لتسيير الحياة؟ وهل نظام المشاركة في رأس المال بدلاً من القروض البنكية بفوائد مركبة يكون أفضل وأبعد عن المخاطرة؟ ولكن ذلك أيضا ليس ملاذاً لأنه غير موجود أصلاً. فلا بًدَّ إذاً من وضع تصور كامل لما يمكن أن يحدث للتعاملات المالية عند ما تتغير الظروف الحالية، ونتحول إلى اقتصاد غير تقليدي، حيث لا يُتوقع استمرار النمو غير المحدود إلى ما لا نهاية، فلا شيء يدوم إلى الأبد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي