استياء ثقافي يضع حرية «تويتر» على محك إساءة استخدامها
مجددا، عاد موقع التواصل الاجتماعي ''تويتر'' ليتصدر مشهد الثقافة بعد أن شهدت إحدى خاناته التعبيرية تغريدة سارت بها الركبان لتنقلب بها الساحة الثقافية رأسا على عقب، ويشعر المئات بالغضب العميق بينما يحس صاحب التغريدة أن عشرات الاحتمالات – غير تواجده أمام شاشة الكمبيوتر لبعض الوقت - كانت ستنقذه بالطريقة نفسها، هي مرة أخرى.. يشعر بها أحدهم أن مساحة ما دون 140 حرفاً كافية لصناعة واقع جديد قد يلحق به إلى الأبد، وأن زر Enter قد يكلف أكثر بكثير مما يبدو الأمر عليه.
يختلف الأمر في هذه المرة، فالتغريدة الجديدة لم تكن تحتاج لكثير من الاجتهاد الذي احتاجته تغريدة ''الخزي والعار'' الشهيرة قبل تبني موقف منها، وإذا كان رأي الشيحي قد أحال قارئه إلى موضع خلاف وأعاد بعث مواجهات فكرية موجودة أصلا، فإن ما فعله كشغري لم يكن أمراً يتم الاختلاف عليه، لقد تعدى رأساً على ''التابو الديني'' ممثلا في مقام النبوة الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وبدلا من تغريدة واحدة قابلة لمستويات عدة من التأويل في حالة ملتقى المثقفين، وجد القراء أنفسهم قبل أيام فقط أمام ثلاث تغريدات وليست واحدة، جميعها تقول الفكرة نفسها تقريبا وكأنها تقطع الطريق أصلا على أي فرصة للتأويل النسبي، الخطأ هنا حاسم ومطلق تماماً.. وبشكل يحقق نسبة إجماع بين مختلف الاتجاهات الفكرية التي تتفق جميعها على حدود ما يجب احترامه وهو ما تجسد عبر موقف الاستنكار الذي جعل معظم أطراف قضية ''الماريوت'' يقفون صفاً واحدا هذه المرة، ولهذا كان ذلك الكاتب وحيداً حتى مع مجموعة بسيطة ممن تعاملوا مع موقفه بشيء من اللين، مجموعة لا يمكن مقارنتها بالكم الهائل ممن غضبوا لسيد الخلق وكان لهم الحق كل الحق.
حالة مبررة من الغضب اكتنفت المواقع الاجتماعية، سرعان ما ظهرت مجموعات تطالب بمحاكمة من عرف بـ''المتطاول'' وهي تسمية على غرار ''المجاهر'' التي عرفها المشهد الإعلامي قبل سنوات، آخر ما تعرفه هذه السطور قبل أن تمتثل إلى الطباعة هو أن قرارا رسمياً صدر بالقبض على صاحب التغريدات المسيئة للرسول الكريم، فيما تقول أنباء إنه غادر المملكة على وجه السرعة قبل صدور هذا القرار بعد أن كتب بياناً مقتضبا أعلن فيه توبته وتبرؤه مما قال، وكان وزير الثقافة والإعلام قد وجه مباشرة بإيقافه عن الكتابة في كل الوسائل الإعلامية، معلقاً قبل ذلك بقوله ''لقد بكيت وغضبت من أن يتطاول أحد خاصة في بلاد الحرمين على مقام النبوة بكلام لا يليق بمسلمٍ يخاطب سيد الخلق أجمعين''.
في جوانب أخرى، أعلنت صحيفة البلاد التي كانت تنشر مقالات الكاتب تبرؤها من كل ما يدلي به عبر الفضاء الإلكتروني، وبالنظر إلى أن هذه المسألة مفهومة سلفا ولا تحتاج إلى توضيح، كما أن ساحة الصحيفة بريئة مادامت الإساءة لم تحدث على صفحاتها، فإن هذا التصرف يعكس شيئا من حالة ردود الفعل السريعة التي تقطع الشك باليقين في قضية لا مكان فيها لأنصاف الحلول، وفيما تناسلت صفحات التعليق الجماهيري على الصحف الإلكترونية التي نقلت الخبر، وتصدر اسم الكاتب عددا من مقالات الرأي فيها، بينما علق مثقفون ودعاة وإعلاميون على صفحاتهم الشخصية بآراء اتجهت إلى استنكار الإساءة التي حدثت، البعض طالب بالمحاكمة وآخرون نزعوا إلى تقبل بيان التوبة الذي شكك آخرون في دوافعه ضمن هذه الحالة تحديداً، فيما استدعت هذه القضية ظهور مقطع فيديو كليب دعوي بعنوان ''إليك أتيت ياربي'' يظهر فيه حمزة نفسه في صغره – بحسب المقطع - وهو يدخل مسجدا ويدعو الله بعينين باكيتين، كما استدعت طرح نماذج من المقولات التي تم تداولها إعلاميا مطالبين كذلك بإخضاعها هي الأخرى لمنطق المحاسبة.
فصول أخرى وتطورات جديدة ستتبع بلا شك هذه القضية شغلت الرأي العام خلال الأيام القليلة الماضية، لكن الواقع حتى هذه اللحظة يقول إن المواقع الاجتماعية شهدت أكثر من صفحة مخصصة تماما لتجريح المفاهيم المقدسة، وهي صفحات تديرها شخصيات مجهولة ويتداعى المستخدمون للتبليغ عنها وإنكارها ومن ثم حذفها، مشكلة كبرى على مستوى فهم حرية التعبير تدفع أشخاصاً محسوبين على الثقافة أو الإعلام لكتابة ما شاؤوا بصورة لا تستثني المسلمات الدينية أو الأخلاقية، وذلك ضمن معتقدات ترى في الخروج المجرد عن الطور القيمي تقاطعا مع مفهوم الإبداع، لقد دخل حمزة في لحظة ما إلى حسابه الشخصي في ''تويتر'' ولم يكن حينها يتقمص دور رسام كاريكاتير دنماركي لكنه وقع في الخطأ في نفسه على الأرجح، كتب ما كتبه من ''التغريدات المسيئة'' ليثير احتقان مشاعر الكثيرين وأسئلتهم حول ما إذا كان المثقف كائناً يستمتع بمجرد التجديف اللفظي المخالف لما هو متعارف عليه وأنه يقف كذلك على أهبة الاستعداد للتخلي عن كل ما قاله حين يواجه غضبة الرأي العام لقيمه التي لا يجوز المساس بها، هناك أيضا من اقتنعوا بوجود من يمكنه أن يسيء استخدام الحرية التي طالب بها مستخدمو ''تويتر'' في وقت سابق، ويبدو أن الطائر سماوي اللون ذا الملامح الوادعة سيفكر جديا في أن يمارس التغريد في كتاب لقصص أطفال أو ملصق ترويجي لحملة حفاظ على البيئة، المهم أن يكون عملا أقل ضجيجاً من أن وظيفة ''ثيمة'' لموقع التغريدات التي لا تطرب أحيانا!