رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الشباب ومسارات الدعم (2 من 2)

مهنيا وحرفيا لا بد أن نعترف بأننا لم نؤسس لشبابنا مراكز ومعاهد وكليات تقدمهم للمستقبل وهم يشعرون أنهم مهنيو وصناعيو المستقبل. عامل التحفيز كان مفقودا لعقود طويلة والآن نراهن على إعادتهم بوسائل وأساليب تحتاج إلى إعادة نظر. أما التأهيل بشهادات تضعهم في مستوى معياري قابل للمقارنة يخولهم أن يكونوا أهلا لصناعة معينة أو ماهرين في تخصصات بعينها أو خبراء في تنفيذ مهارات مهنية الطابع، فقد أغفلناه وبالتالي لم يعد لدينا طاقات تقارع تلك العالمية في زمن العولمة. القطاع الخاص مع أنه مكان لهم إلا أنه سعى لاستقطاب خارجي بحجة حجم المطلوب والنمو السريع والتطعيم بالخبرات وتدني التكلفة وإمكانية التحكم في الانضباط والإنتاج. المشكلة أن معظمه لم يصبر إلى أن يتمكن ابن الوطن مما يقوم به ويحاول به إثبات قدرته. القطاع الحكومي من ناحية أخرى، مع أنه أعد وخطط ورصد وبذل الكثير في بناء الصروح ورسم البرامج وصياغة المحتوى إلا أن البوصلة انحرفت أو فقدت اتجاهها عند التنفيذ، فكان الخريج لا يتواءم فكرا أو مهارة مع متطلبات السوق، وقد يكون أصبح بعيدا عن دائرة المنافسة وأخْذ مقعدٍ في مسيرة التنمية. الآن لدينا صروح مهنية تحتاج إلى من يشغلها كمسؤول ومدرب ومتدرب، ومليارات ستصرف، فمن سيكون هؤلاء؟ وكيف نستفيد على أرض الواقع من هذه المليارات؟ وكيف نطمئن لأخذهم مواقعهم بجدارة؟ ومتى نبدأ التقييم للتطوير؟ ثم كيف سيكون التوزيع الجغرافي للسكان وحاجتهم تخصصا ومهناً لتتم التغذية ذاتية في كل منطقة بكل وسائل الدعم والتحفيز الناجحة عالميا؟
الآن يمكن أن نتساءل عن كيفية جعلهم يلجأون إلى الكتابة والرسم للتصميم والحديث للتعبير عما يفكرون فيه أو التمكن من التخطيط ليومهم وشهرهم ولسنين مقبلة من غير إظهار الوصاية عليهم. من أحد الحلول أن نجعلهم في شراكة مع المجتمع أفرادا أو مؤسسات يكونون فيها صناعيين وبنائين أو دارسين وباحثين يتميزون بمهاراتهم وفكرهم في آن واحد في معظم المجالات إن لم يكن كلها. ولكن كيف يمكن أن ننفذ ذلك؟ أعتقد أن الباحث عن مثل هذه الحلول سيجدها في نتائج وتوصيات مؤتمرات الطلاب المحلية والدولية السابقة، وأعتقد أيضا القادمة، وليس أفضل من الأكاديميين من يمكنه أن يقرأ بين السطور فيها فيسهل علينا (كمجتمع) كيفية التفكير في آليات تقرب بين الأجيال لمصلحة المجتمع ومستقبل الوطن.
يمكن مثلا تحمل جعلهم أفضل منا حاضرا ومستقبلا بطرح برامج تجعل الأغنياء والفقراء من الشباب يعملون في موقع واحد من دون أن يتحسس الواحد من الآخر. نستطيع تسليم الحرفيين مشروعا كاملا فيجلس ابن العشرينيات على رأس طاولة يحاور مهنيين في الـ 60 من أعمارهم. يمكن أن نعمم دراسة قام بها محاضر أو أستاذ مساعد على جهة تكتظ بالأساتذة في الـ 50 و60 من أعمارهم ولهم مؤلفات استفاد منها في دراسته. يمكن أن نتبنى اختراعا لشاب ونتكفل بصنع المنتج محليا للإفادة منه فيكون دعما له ولغيره وتحفيزا لعائلة المخترعين أن يستمروا في الإنتاج والتطوير. يمكن دمج الأجيال المختلفة في عمل واحد لإذابة التنفير والتصغير والتحقير وإشاعة التقدير بهدف البناء والتعمير. لا يمكن أن ندعي المعرفة وبين أناملهم لوحة مفاتيح تطوف بهم العالم بأكمله فيتواصلون ويتعلمون ويتبادلون المعرفة.
لو طفنا العالم وتقصينا وضع المؤسسات الخيرية الداعمة للشباب (ليست المراكز الوطنية للأبحاث أو الصناعات) لوجدنا أن الأمثلة كثيرة والجهود متباينة والأفكار خلاقة. ولو حاولنا التركيز على الحديثة منها لوجدنا أن التوجه نحو العالم الرقمي في المبادرات والمشاريع يحتل المركز الأول في الدعم مثل مؤسسة MacArthur Foundation التي أسست عام 2005 وغيرها كثير. مثل هذه المشاريع تضع معايير للعمل والتعامل، وتعود الشباب ''التعلم'' وليس ''التعليم''، وتجمع بين الأجيال بل الأجناس والألوان ليكتسب كل منهم خبرة معينة من الآخر، وتشيع ثقافة البحث والدراسة بمنهجية تؤصل لعمل ومنتج ومخرجات لها قيمة مضافة في المجتمع.
إن كل فشل نسجله في أداء مهمة هو عبارة عن مشروع مرحل للجيل الصاعد يتوجب عليه الاستغراق فيه لإصلاحه أو تكييفه ليتلاءم مع متطلبات أوضاعه في المستقبل، وهذا غير مقبول. لذلك فالأمانة تقتضي أن نتجاوز كل المشاكل الشخصية والعامة ونقوم بالحل أو وضع الحلول من الآن. هذا لأننا لا نود لهم أن يتعلموا ترحيل الأعباء والتقاعس أمام أي مشكلة، فمستقبلا قد لا تأتي المشاكل بالزوايا نفسها وقد لا يكون إنجاز المهام بالقدرة المالية والعينية ذاتها والوسائل المتاحة اليوم. كما أننا لا نعرف من أي جهة سيكون هبوب رياح التغيير والتعديل في وتيرة التطور في زمن العولمة. إضافة إلى ذلك لا يمكن التكهن بما إذا كانت وسائلنا الحالية قادرة على التعامل معها في ذلك الوقت!
حتى لا نكون من ''المغرِّبين'' كما يقول البعض، لندرس ملفات ''كوريا'' و''ماليزيا'' و''سنغافورة''، فهم على سبيل المثال عندما أرادوا التقدم تقنيا أوجدوا صناعتها لديهم بأيدي أبنائهم، ثم تحركوا في الاتجاهات المختلفة بعد ذلك. إن بحشد الهمم كلها في سبيل نصرتهم وتعزيز مواقفهم سنجد أنفسنا لا نستطيع الوقوف عند هذا الحد من الدعم. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي