إنه النفط يا أحمق!
كان السياسيون في أمريكا وما زالوا يرددون: "إنه الاقتصاد يا أحمق" أي أن الدنيا تدور في فلك أقوى دول العالم اقتصاديا وأن الحزب أو رجل السياسة الذي ينجح في جلب الرخاء لشعبه هو الفائز وبلده هو المحور الذي تدور حوله الدنيا.
لكن نظرة العالم إلى الرخاء المادي والقوة الاقتصادية بدأت تتغير ولا سيما في العقدين الأخيرين فبعد أن كان الرخاء الاقتصادي حكرا على دول معينة في شمال أمريكا وأوروبا الوسطى، نلحظ اليوم حصول أمم أخرى على المستلزمات والشروط التي يجب توافرها لدخول نادي الدول الغنية والقوية اقتصاديا.
ويتردد كثيرا اليوم مصطلح أو مختصر "بريكس" للدلالة على الدول الناهضة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا). هذه الدول صارت ـــ منفردة ومجتمعة ـــ قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية لا يمكن الاستهانة بها حتى من قبل الدول التي تربعت على عرش الرخاء منذ الحرب العالمية الثانية.
والمراقب لما يحدث في العالم اليوم يلحظ كيف أن الـ "بريكس" دخلت ميدان الاقتصاد والسياسة الدولية وكيف أنها تتخذ مواقف مستقلة في مسائل معينة عكس التيار السائد في أمريكا وأوروبا إن كان في مجلس الأمن أو فيما يخص شؤونا أخرى.
اقتصاديا وسياسيا وعسكريا يدخل العالم اليوم عهدا جديدا إحدى خصائصه الأساسية هي أن مجموعة "بريكس" ومعها دول ناهضة أخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية بإمكانها أن تقدم في عالم الصناعة والتجارة ما يوازي أو ربما يفوق في بعض النواحي ما لدى أمريكا وأوروبا.
وهذا العام بالذات يدخل العالم حقبة غير مسبوقة في التاريخ الحديث فيها سيكون قصب السبق لمجموعة "بريكس" والدول الناهضة الأخرى في مجال التجارة الدولية ـــ استيراد وتصدير.
وقد يتساءل القارئ ما دور النفط في كل هذا؟
العالم برمته ولا سيما أمريكا وأوروبا يمر بأزمة مالية وفي أوروبا مثلا الوضع حرج إلى درجة قد تعلن فيه بعض الدول إفلاسها. وفي الجانب الآخر، هناك أزمات كبيرة منها ما تعانيه الصين حاليا من تضخم مالي إن لم يتم لجمه قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية عويصة.
وكل هذه الدول الغنية وحديثة الغنى عليها أن تستمر في النمو كي تحافظ على رخائها. والنمو الاقتصادي يعني زيادة مطردة في الإنتاج والاستهلاك والنفط يأتي في مقدمة المواد الأولية التي يزداد الطلب عليها كلما زاد العالم نموا وغنى.
وواحد من الأركان الأساسية للنمو الاقتصادي ولا سيما في دول مثل الهند والصين النفط والغاز. والهند والصين (2500 مليون نسمة) يستهلكان نحو 12 مليون برميل نفط في اليوم، بينما تستهلك أمريكا (300 مليون نسمة) نحو 24 مليون برميل في اليوم. الاتحاد الأوروبي (500 مليون نسمة) يستهلك نحو 14 مليون برميل في اليوم.
ولهذا يرى كثير من الاقتصاديين أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم ولا سيما أمريكا وأوروبا سيتم تجاوزها من خلال النفط والدول المنتجة له. لو فرضنا أن سعر برميل النفط انخفض 30 دولارا، معناه ادخار 420 مليون دولار بالنسبة إلى أوروبا في اليوم الواحد. اضرب الرقم في 30 وتحصل على الادخار في الشهر واضربه في 365 وتحصل على الادخار في السنة. وهكذا دواليك بالنسبة للمستهلكين الآخرين.
وقد تجري رياح الأسواق العالمية عكس ما يشتهيه هؤلاء. ماذا سيحدث للاقتصاد العالمي لو افترضنا أن سعر برميل النفط ازداد 30 دولارا؟ وهل يدرك منتجو النفط قيمة هذه المادة لدولهم وشعوبهم أولا وللعالم ثانيا؟ وأخيرا، الدول الغنية التقليدية (أمريكا وأوروبا) ومجموعة "بريكس" تستخدم ثروتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية وطنيا وعالميا، هل وضع منتجو النفط هذه الأمور في الحسبان؟
وإلى اللقاء.