رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وزارة الشؤون ومؤشر الأرصاد الاجتماعية

''لك الله يا وطن'' عبارة قفزت في ذهني بعد أن اطلعت على ما نشرته إحدى الصحف المحلية بعد زيارة وزير الشؤون الاجتماعية مجلس الشورى الأحد قبل الماضي، حيث ما نشر يؤكد أن وزارة الشؤون تعمل بعقلية تسيير الأعمال بما يعفيها من الالتزام أمام الرأي العام ومتابعته ومساءلته إضافة لما يعفيها من المساءلة من قبل قيادة البلاد ذلك أن ما نشر لم يُظهِر لنا أي طرح فكري للوزارة يتناسب وحجم بلادنا وعدد ونوع وحجم المشاكل الاجتماعية (عوز مقلق، نسب طلاق عالية، عنوسة عالية جدا) والظروف التي تمر بها المنطقة، ولم تطرح خطط وصفية وكمية مبنية على هذا الفكر للتصدي للقضايا والمشاكل الاجتماعية بالتكامل مع مؤسسات المجتمع المدني وأفراده من ميسورين ومتطوعين ومثقفين وغيرهم، كما لم تظهر لنا أي مؤشرات تصف قضايانا ومشاكلنا الاجتماعية كميا وتقارنها بالأوضاع المشابهة والأوضاع المعيارية وتبين لنا مدى التقدم أو الانحراف في خطط الوزارة وفق هذه المؤشرات والمعايير.
وبطبيعة الحال عدم وجود مثل هذا الطرح يجعلنا أمام إنجازات وأرقام مبهمة لا تسمن ولا تغني من جوع ما يقلل من قيمة الإنجازات الفعلية ويفتح الباب لكل الآراء والتكهنات والإشاعات لغياب المرجعيات المتفق عليها من كافة الأطراف المعنية بالقضايا والمشاكل الاجتماعية (القيادة، وزارة الشؤون، صناع الفكر والرأي، الناشطون في المجال الاجتماعي، مؤسسات المجتمع المدني، المستفيدون، أفراد المجتمع) الأمر الذي قد يوتر الرأي العام ويجعل جهود الحكومة والإنفاق الكبير هباء منثورا.
ولكي أوضح لكم ذلك دعونا نحاول فهم ما قاله الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون خلال مكاشفاته ''للشورى''، حيث قال (ننفق أكثر من 26 ملياراً سنوياً على الإعانات المادية للمحتاجين بطريقة مباشرة ومن ثم فصل بنود الإنفاق)، ولا شك أن ما ذكره الوزير لا يتعدى كشف حساب مجرد دون مرجعيات إذ لا نعلم هل غطى هذا المبلغ الاحتياج بنسبة 100 في المائة أو 50 في المائة أو 30 في المائة من الحاجة الفعلية أو الغاية المستهدفة، كذلك لا نعلم هل تغطي هذه الإعانات احتياجات المستفيدين بجميع فئاتهم بنسبة معقولة تمكنهم من العيش الكريم بما يدمجهم بالمجتمع ليكونوا سواعد بناء أم أنها أقل بكثير كما نسمع من الحاجة ما تجعلهم في حاجة ماسة تدفع بهم وبأبنائهم إلى مهاوي الردى، للأمانة لا أعلم والآراء كثيرة ومتعددة والشائعات أكثر والقصص المؤلمة التي يتناقلها أصحاب المشاكل الاجتماعية كثيرة أيضا.
وإذا كان غموض واقع دعم الفئات المحتاجة ومدى نجاح الوزارة بالنهوض بمهمتها لإنقاذهم مزعجاً وغير مبرر في وقت يشهد فيه العالم نهضة غير مسبوقة في عالم المعلومات والتخطيط وبناء مؤشرات ومعايير التقييم والتقويم، فإن ما قاله الوزير عن الجمعيات الخيرية في المملكة أكثر إزعاجاً حيث بين معاليه ''أن الأصل في إنشاء الجمعيات الخيرية هو من المجتمع ودور الوزارة يقتصر على الترخيص بعد التأكد من وضوح الأهداف وعدم الازدواجية في عملها مع جمعية خيرية أخرى في المدينة أو المحافظة''، وأقول هل يعقل أن يقتصر دور وزارة أنشئت لتوفير كل أسباب الحياة الكريمة للمواطنين في المجالات الاجتماعية كافة وهو ما لا يكون إلا بتكامل بين الحكومة وأفراد المجتمع على الترخيص؟ والسؤال الأهم من هو المسؤول إذا عن تخطيط مستقبل الجمعيات الخيرية في المملكة وتحفيز أفراد المجتمع للتوسع في تأسيسها وتفعليها ورفع كفاءتها لدعم الجهود الحكومية للتصدي للقضايا والمشاكل الاجتماعية؟ أرجو الإجابة تكرما خصوصا ونحن نعلم أن جهود المجتمع يمكن أن تتجاوز جهود أي حكومة مهما كانت قدراتها.
واستنادا إلى ما قاله الوزير العثيمين في مستهل كلمته أمام الشورى بأن (الوزارة لا تدعي الكمال فالقصور حادث والتقصير وارد والحكمة ضالة المؤمن، وصدورنا تتسع لاستفساراتكم وملحوظاتكم وتتقبل النقد منكم ومن وسائل الإعلام، لأننا على ثقة بأنه صادر من غيرة وطنية ومشاعر إنسانية لخدمة أكثر الفئات حاجة في المجتمع و''المؤمن مرآة أخيه'') يسرني أن أوضح للوزير أن ما طرحه أمام المجلس غير مقنع ويفتح الباب واسعاً للاستنتاجات غير العلمية والشائعات ما لم تسارع الوزارة للخروج من سياسة تسيير الأعمال التي يعكسها التقرير الذي يكاد يكون ''كشف حساب'' لا ''تقريرا إداريا وماليا'' إلى سياسة الابتكار والإبداع من جهة توفير البيانات والمعلومات التحليلية الدقيقة والعلمية الشاملة والمتجددة، ومن جهة التخطيط الاستراتيجي بكل ما تحمله الكلمة من معان وتطبيقها وفق أحدث نظريات الإدارة الاستراتيجية كتكوين مكتب إدارة مشاريع استراتيجية على سبيل المثال، ومن جهة بناء المؤشرات ومعايير التقييم وآليات التقويم الذكية والعاجلة مرحليا لنصل في السنين المقبلة لتقرير وصفي كمي دقيق مقنع بإنجازاته ومرجعياته التي توقف اللغط والإشاعات والاتهامات والتكهنات وتضع النقاط على الحروف بكل وضوح وشفافية.
ومن جهتي ولتجاوز ذلك، أقترح أن تطور الوزارة ''مؤشر الأرصاد الاجتماعية'' بالتعاون مع مختصين بالإدارة الكمية، حيث يبنى هذا المؤشر من عدة مؤشرات (الفقر، الطلاق، العنوسة، الزواج، المساجين، الأمراض النفسية، الإعاقة، اللقطاء، المسنين ... إلخ)، كل منها يبنى على عدة عناصر (حجم المشكلة، الإنفاق الحكومي، الإنفاق الفردي، الإنفاق المؤسساتي، مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة ... إلخ) وذلك لبناء خطط الوزارة للتصدي لها ولتحفيز أفراد المجتمع بمستوياتهم كافة ومؤسسات القطاع الخاص لمساندتها في مهمتها بهدف التقدم في هذا المؤشر والمؤشرات الفرعية للوصول لواقع معياري يجعل المجتمع في أفضل حالاته ليكون بيئة صالحة لرفد الدولة بسواعد وطنية مؤهلة ومنتجة.
معالي وزير الشؤون لا نشكك في مدى إخلاصك وفريق العمل بالوزارة ولكن نذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين فأنتم على ثغر خطير إذ إنكم مسؤولون عن حالات اجتماعية استثنائية يمكن أن تتحول لعناصر جريمة وهدم ومعاناة ما لم تطوروا قواعد معلومات وخططا فاعلة تطبق وتقيم وتقوم وفق أحدث نظريات الإدارة بكل جد واجتهاد بمواقف وجدانية تجاه الوطن وأفراده وفقكم الله لما فيه الصالح الخاص والعام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي