عالمية صناعة النقل البحري السعودي

دعوة تستأنس إعادة النظر من صانع القرار السياسي مفادها إعادة هيكلة أنشطة النقل البحري السعودي من أنشطة اقتصادية تناسب اقتصادا ناميا إلى صناعة عالمية متكاملة تتناسب ومستهدفات الاقتصاد السعودي خلال العقدين المقبلين. فتواجد النفط ومشتقاته، وجغرافية المملكة وسواحلها، علاوة على التكامل الصناعي المنشود من قبل الصناعات النفطية والبتروكيماوية والتعدينية هي ميزات تنافسية كامنة سترتكز عليها الصناعة السعودية العالمية في مجال النقل البحري متى ما استثمرت الاستثمار الأمثل على المدى البعيد، بعون الله تعالى وتوفيقه.
وقبيل النظر في مجالات استثمار الميزات التنافسية في النفط والجغرافيا والتكامل الصناعي، فإنه من الأهمية بمكان استحضار أولويات الاقتصاد السعودي حسب تصريح وزير الاقتصاد والتخطيط مطلع الأسبوع الحالي. حيث أوضح الوزير أن أولويات الاقتصاد السعودي تستهدف (1) تنويع القاعدة الإنتاجية بدعم نشاط الشركات الصغيرة والمتوسطة. (2) زيادة فرص عوامل الإنتاج المتاحة البشرية والمادية. (3) زيادة قدرة الاقتصاد على توفير الفرص الوظيفية. (4) تطوير النظم والأدوات التحليلية والمعلوماتية التي تحقق الأهداف وتسهم في دعم النشاط التخطيطي والاقتصادي لمتخذي القرار في القطاعين الحكومي والخاص. (5) توطيد مكانة المملكة في الاقتصاد الدولي والمحافل العالمية.
تقودنا هذه الأولويات إلى التفكير بصوت مسموع عند توضيح المقصود بصناعة عالمية في مجال النقل البحري. نقصد بصناعة النقل البحري جميع الأنشطة العاملة بشكل مباشر أو غير مباشر في أعمال تصميم وتمويل وإصلاح وتصنيع وشراء السفن بأنواعها المختلفة، وإنشاء الموانئ وأحواض بناء وإصلاح السفن، ونقل البضائع المختلفة من النفط الخام والغاز المسال والبتروكيماويات والمعادن وغيرها من البضائع العامة، وتشغيل العمليات البحرية من الإرشاد والتوجيه والإدارة، وتخطيط وتشغيل الخطوط البحرية. تعمل جميع هذه الأنشطة بشكل متكامل ومتلاحم يقودها إلى أن تصبح منظومة إنتاجية متكاملة ذات ثقل اقتصادي في خريطة التجارة العالمية.
تعتبر صناعة النقل البحري العمود الفقري للتجارة العالمية. تشير دراسة صادرة في 2009 من مركز كلاركسون للدراسات البحرية إلى أن إجمالي حجم البضائع المنقولة عبر النقل البحري بلغ قرابة ثمانية مليارات طن من البضائع نهاية 2008. وتوقعت الدراسة أن ينمو حجم البضائع المنقولة عبر النقل البحري ليصل إلى قرابة 23 مليار طن نهاية 2026.
تتنافس مجموعة من الدول في تطوير صناعات في النقل البحري. تشير إحصاءات المنظمة البحرية الدولية إلى أن قرابة 70 في المائة من البضائع المنقولة عبر النقل البحري هي صادرات من أسوق الدول الناشئة يقابلها قرابة 56 في المائة عبارة عن بضائع واردة إلى هذه الأسواق. تحتل كل من بنما وليبيريا وجزر المارشال وهونج كونج وجزر الباهامز المراتب الخمس الأولى في عدد السفن المسجلة لديها، وبالتالي الحاملة لأعلامها الوطنية. وتحتل كل من اليابان واليونان وألمانيا والصين وأمريكا المراتب الخمس الأولى في عدد السفن المملوكة، وبالتالي الحصول على أكبر المنافع الاقتصادية من أنشطة النقل البحري.
كما تشير إحصاءات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى التغيّر في نوعية البضاعة المنقولة عبر النقل البحري. حيث كان النفط يمثّل قرابة 56 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 1970. ثم انخفضت نسبة النفط المنقول خلال العقود اللاحقة لتصل إلى قرابة 34 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 2009. حدث هذا الانخفاض في نسبة النفط المنقول لصالح النمو في نسبة البضائع الجافة المنقولة عبر النقل البحري. حيث كانت البضائع الجافة تمثّل قرابة 26 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 1970. ثم ارتفعت نسبة البضائع المنقولة خلال العقود اللاحقة لتصل إلى قرابة 42 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 2009.
وعلى الرغم من معدل نمو صناعة النقل البحري على الصعيد الدولي ومكامن الجذب التي تختزلها هذه الصناعة العملاقة، إلا أنها لا تخلو من تحديات الوقود والجغرافيا والتكامل الصناعي التي نستقرئها من واقع التقرير السنوي الأخير لوزارة النقل الأمريكية. حيث أكّد التقرير نمو معضلة وقود السفن من النفط ومشتقاته المختلفة كأحد التحديات الرئيسة التي تواجه صناعة النقل البحري على الرغم من التطور الفني في سرعة السفن على مر العقود الماضية وإسهاماته في تقليل استهلاك الوقود.
تقودنا هذه التحديات إلى النظر في السمات التي يحتضنها الاقتصاد السعودي والتي من الممكن أن تحقق تميّزا نوعيا لصناعة النقل البحري السعودي متى ما استثمرت الاستثمار الأمثل. فترتيب إمدادات المشتقات النفطية من مصافي النفط السعودية في حدود الأسعار الحكومية المخفضة ستسهم في الإسراع في تغطية تكاليف إعادة هيكلة الصناعة. وامتداد السواحل على مسافات تربو عن 1500 ميل بحري موزعة بين شرق المملكة وغربها وفي منطقة جغرافية تربط قارات العالم وواقعة على خطوط التجارة البحرية ستسهم في زيادة جاذبية هذه الصناعة. والتكامل الصناعي المنشود بين الصناعات النفطية والبتروكيماوية والتعدينية بين الجبيل الصناعية ورأس الخير في الشرق وينبع الصناعية ورابغ في الغرب، سيسهم في إمداد هذه الصناعة باحتياجاتها من المواد الأولية لصناعة السفن وصيانتها علاوةً على نقل بضائعها.
إن استثمار هذه السمات من النفط والجغرافيا والتكامل الصناعي ليس بجديد على الاقتصاد السعودي. فشركة أرامكو السعودية تملك شركة فيلا للملاحة البحرية في دبي. والشركة الوطنية السعودية للنقل البحري تملك الشركة الوطنية لنقل الكيماويات في دبي وشركة بترديك المحدودة في برمودا. وهناك أنشطة صيانة محدودة في صيانة السفن وبناء القوارب في موانئ جدة، والدمام، وجازان. وعلى الرغم من جميع هذه الجهود، إلا أن نتائجها لم تسهم بشكل رئيس في توطين صناعة عالمية، أو استحداث عشرات الآلاف من الوظائف، أو في الاستحواذ على نسبة مجدية اقتصادياً من صناعة النقل البحري العالمية، أو في التأثير الإيجابي في وتيرة نمو قنوات النشاط الاستثماري السعودي.
إنها دعوة لصانع القرار السياسي للنظر في إعادة هيكلة أنشطة النقل البحري السعودي لتصبح صناعة عالمية متكاملة تتناسب ومستهدفات الاقتصاد السعودي خلال العقدين المقبلين. صناعة عالمية تستثمر في ميزات النفط ومشتقاته، وجغرافية المملكة وسواحلها، والتكامل الصناعي المنشود في الصناعات النفطية والبتروكيماوية والتعدينية لتمكينها من التواجد الرئيس على خريطة صناعة النقل البحري العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي