الطلب على النفط وفق التطورات الأخيرة
أزمات الديون السيادية في أوروبا والولايات المتحدة، لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على أسواق وأسعار النفط العالمية، حيث إن النشاط الاقتصادي والتجارة العالمية في تباطؤ، الثقة بالتعافي اهتزت والمخاطر من حدوث ركود مزدوج في الاقتصاد العالمي في تزايد، شهدت أسواق النفط العالمية تذبذبا كبيرا في أسعار النفط على مدى الأشهر الماضية، وكان هذا التقلب في الأسعار الميزة الأكثر ملاحظة خلال العام الماضي، ما يعكس حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية حول مستقبل الاقتصاد العالمي. كل هذا انعكس سلبا على الطلب العالمي على النفط، في مقالة سابقة أشرنا إلى أن التطورات الاقتصادية الأخيرة توحي بأن المزيد من المراجعات لخفض الطلب العالمي على النفط لهذا العام من المرجح أن يحدث.
في هذا الجانب قامت جميع الوكالات بخفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لعام 2012 استجابة للتوقعات الاقتصادية غير المشجعة، خصوصا للدول الصناعية وتماشيا مع انخفاض توقعات النمو الاقتصادي، حتى الصين السريعة النمو شهدت تباطؤا في استهلاكها للنفط. في أحدث تقاريرها الشهرية عن أسواق النفط العالمية، الوكالات لا تزال متشائمة إلى حد ما بخصوص توقعات الاقتصاد العالمي، الأمر الذي أدى إلى خفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط مرة أخرى.
في هذا الجانب قامت وكالة الطاقة الدولية IEA بإجراء تخفيض جديد لتوقعاتها للطلب العالمي على النفط، هذا التخفيض يعكس التوقعات الاقتصادية غير المؤكدة والبداية المعتدلة لفصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي. يأتي التخفيض الأخير في توقعات وكالة الطاقة الدولية للطلب العالمي على النفط، وغيرها من الوكالات، في وقت بلغ فيه إنتاج الدول المصدرة للنفط ''أوبك'' أعلى مستوى له في ثلاث سنوات.
في تقريرها الأخير عن أسواق النفط، تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سوف يبلغ نحو 90.05 مليون برميل في اليوم في عام 2012، أي بزيادة قدرها 1.08 مليون برميل في اليوم عن العام الماضي. التوقعات الحالية للطلب على النفط أقل من التوقعات التي نشرتها الوكالة في الشهر الماضي بنحو 220 ألف برميل في اليوم.
معظم الخفض في توقعات الطلب على النفط كان في البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية non-OECD وخصوصا في الاقتصاديات الناشئة، التي نما فيها الطلب بقوة حتى الآن. حيث خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب على النفط في البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية بنحو 130 ألف برميل في اليوم. لكن مع ذلك، فإن الوكالة لا تزال تتوقع أن جميع النمو في الطلب العالمي على النفط لهذا العام سيكون في الأسواق الناشئة، نمو الطلب في هذه الأسواق سيكون قويا نسبيا، حيث يمتص الانخفاضات المتوقعة في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية OECD.
في الواقع، ترى الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على النفط في البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية سيتجاوز الاستهلاك في الأسواق الناضجة في الربع الثاني من هذا العام بنحو 340 ألف برميل في اليوم، لكن للعام ككل، الطلب في بلدان منظمة التعاون والتنمية من المتوقع أن يكون نحو 45.3 مليون برميل في اليوم، أي نحو 550 آلف برميل في اليوم أعلى من استهلاك البلدان غير الأعضاء.
وفقا لتقديرات الوكالة، بلغ متوسط الطلب العالمي على النفط في عام 2011 نحو 88.97 مليون برميل في اليوم، أي نحو 700 ألف برميل في اليوم أكثر من عام 2010. البيانات الختامية للطلب العالمي على النفط للعام الماضي هي إلى حد ما مفاجئة، حيث إن عام 2011 بدأ بنمو 2.16 مليون برميل في اليوم في الربع الأول. لكن الطلب على مدار السنة خفض على خلفية ارتفاع أسعار النفط وتباطؤ الاقتصاد العالمي والأهم أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو. في الربعين الثاني والثالث من العام الماضي، ارتفع الطلب بنحو 400 و460 آلف برميل في اليوم على التوالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، لكن في الربع الرابع، تراجع الطلب بما يقرب من 300 ألف برميل في اليوم، وهذا أول تراجع له منذ نهاية أزمة الائتمان.
التراجع في الطلب العالمي على النفط خلال الربع الأخير من العام الماضي لم يتسبب في ارتفاع مخزون النفط في منظمة التعاون والتنمية، في الواقع المخزون ارتفع بنحو أربعة ملايين برميل في تشرين الثاني (نوفمبر) لكنه عاد وانخفض انخفاضا حادا بنحو 23.6 مليون برميل في كانون الأول (ديسمبر).
من ناحية الإمدادات تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج أوبك من النفط الخام بلغ 30.89 مليون برميل في اليوم في كانون الأول (ديسمبر)، أي نحو 240 ألف برميل في اليوم أعلى من إنتاج تشرين الثاني (نوفمبر). وهذا يرجع في معظمه إلى استعادة الإنتاج الليبي بعض عافيته، يعكس أيضا زيادة الإنتاج في السعودية والإمارات.
في هذا الجانب تتوافق كل من توقعات وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك بخصوص الطلب على نفط المنظمة في عام 2012، حيث يشيران إلى أن الطلب على نفط المنظمة يجب أن يكون في حدود 30 مليون برميل في اليوم في هذا العام، وهو هدف الإنتاج الذي اتفقت عليه منظمة أوبك في اجتماعها الأخير في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. إن هذا التوافق على توقعات أسواق النفط قد يشكل قوة لاستقرار أكبر، طالما أنها لا تولد شعورا زائفا بأمن الإمدادات.
لقد شهدت أسعار النفط الخام الرئيسة (خام برنت) استقرارا ملحوظا منذ ربيع العام الماضي، حيث تأرجحت في نطاق 100 إلى 120 دولارا للبرميل. على الرغم من أن أسعار النفط كانت مستقرة نسبيا في الآونة الأخيرة، إلا أن هناك نوعين من العوامل التي يمكنها أن تهز أسواق النفط، العامل الأول هو الاحتمالية المتزايدة بأن تؤدي أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو إلى كارثة الركود، الذي من شأنه دفع الأسعار نحو الهبوط، والعامل الآخر هو النقص في جانب العرض الذي من شأنه دفع الأسعار بالاتجاه التصاعدي. في الوقت الراهن أكبر المخاطر في جانب العرض في نيجيريا وإيران، وهذا الأخير هو الأكثر إثارة للقلق.
على المدى القصير تميل المخاطر الاقتصادية نحو الجانب السلبي ومخاطر الطلب تميل إلى الجانب السلبي أيضا. كيف سيكون اتجاه الطلب في الأشهر القليلة المقبلة يتوقف على العديد من التطورات بما في ذلك بدء تشغيل الطاقة النووية في اليابان، الطلب في الصين، والتطورات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة.