رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


على طريق بناء النموذج الاقتصادي السعودي (1 من 2)

أحسنت صحيفة ''الاقتصادية'' صنعا حينما طرحت أمام نخبة من كتابها ومفكريها قضية من أهم القضايا في حياتنا الاقتصادية، وهي قضية غياب النموذج الاقتصادي السعودي طوال سنوات طويلة من عمر التنمية في السعودية.
وقد يقول قائل إن بناء النموذج لا ضرورة له، بدليل أن غياب النموذج لم يعرقل عمليات التنمية الاقتصادية وإن الاقتصاد السعودي حقق نموا مذهلا طوال أربعة عقود دون أن يكون هناك نموذج اقتصادي واضح.
وما نود أن نؤكده هو أنه إذا تمكن اقتصادنا الوطني من عبور المراحل الماضية دون نموذج اقتصادي، فإنه من غير المتصور أن يستمر الاقتصاد السعودي دون نموذج واضح ورصين في ظل تحديات ومستجدات تتهدد برامجنا التنموية.
في الماضي أخذتنا عافية الطلب العالمي على النفط طوال السنين الغابرة، واستطاع الاقتصاد السعودي أن يعْبُر بنجاح كل أزمات الزيادة أو/ والانخفاض في الطلب على النفط.
أما اليوم فإن مستقبل الطلب على النفط محفوف بالمخاطر، فمن ناحية فإن منظمة الطاقة الدولية تحذر مرارا وتكرارا من مغبة قصور كميات النفط المتاحة لماكينة الاقتصاد الدولي، ولذلك إذا اعتمد العالم فقط على النفط كمصدر وحيد للطاقة فإن الاقتصاد الدولي سيدخل في أزمة عدم كفاية العرض وقصور في الكميات المتاحة مع توقعات بارتفاعات هائلة في الأسعار، ومن ناحية ثانية، فإن أصوات التحذير من التلوث التي يسببها النفط باتت تقلق المجتمع الدولي وبدأت التغيرات في المناخ تحذر من المخاطر الجسيمة إذا استمر المجتمع الدولي في استهلاك النفط بهذه المعدلات العالية، وأيضا فإن النجاح الذي تحقق على صعيد البحث عن وسائل بديلة للطاقة ينذر بأفول عصر النفط ــ شيئا فشيئا ــ وثالث الأثافي فإن ملامح نضوب النفط في ظل الاستهلاك العالمي الحالي للنفط ومشتقاته قضية بدأت تحتل الصدارة في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية.
نستطيع أن نقول إن هذا الذي يتعرض له النفط وهو المصدر الرئيس للدخل هي بمثابة أسباب كافية لاتخاذ خطوات عاجلة لتصميم نموذج اقتصادي يكون بمثابة البوصلة التي نرى من خلالها كل الظروف المحيطة بمراحل نمو اقتصادنا الوطني، وبالتالي نستطيع أن نتعامل مع المستجدات ونتخذ الخطوات باتجاه المشاريع والبرامج الكفيلة بمواصلة تحقيق معدلات النمو المستهدفة، ليس من خلال البترول فقط وإنما من خلال مجموعة من الموارد الطبيعية والبشرية التي أصبح البحث فيها ضرورة يجب أن يتضمنها النموذج الاقتصادي.
ولا يخفي إن أهم ما يعانيه اقتصادنا الوطني هو اعتماده على مصدر وحيد للدخل، ولقد ظلت خطط التنمية تضع في صدر أهدافها الرئيسة منذ الخطة الأولى 1970 حتى الخطة التاسعة.. تضع هدف ''تنويع مصادر الدخل'' في صدارة أهدافها، ولكن الدخل الرئيس ــــ حتى بعد مرور نحو نصف قرن ـــ لا يزال يأتي من النفط.
ومن هنا بدأنا نستشعر أهمية بناء نموذج ذكي للاقتصاد السعودي يأخذنا إلى حيث مرابض أهدافنا التي تتضمن أجندتها تنويع مصادر الدخل، والاستثمار في الطاقة النظيفة، والتأسيس لنظام مالي عصري، ونظام استثماري واسع الأرجاء، كذلك يجب أن تتضمن أجندة النموذج إعادة هندسة الإدارة السعودية بشقيها العام والخاص.
وبهذا المعنى فإن التعريف الذي نطرحه للنموذج الاقتصادي السعودي هو أنه مجموعة الإمكانات والمؤشرات اللازمة لتوفير أسباب دعم النظام الاقتصادي والارتفاع بجاهزيته وكفاءته في شتى الظروف حتى يكون قادرا على حماية المكتسبات التنموية، والحيلولة دون الانحراف عن تحقيق المعدلات الأعلى للتنمية المستدامة.
والسؤال القضية هو: إلى أي مدى أسهمت موارد النفط والاستثمارات الوطنية والأجنبية ــــ طوال العقود الأربعة الماضية ــــ في تكوين قطاعات إنتاجية تعبر عن تماسك محركات اقتصادنا الوطني في مواجهة أي ظروف صعبة، وهل القطاعات غير النفطية ــــ بإمكانياتها الحالية ــــ قادرة على إدارة الاقتصاد الوطني فيما لو طرأت ظروف اقتصادية خفضت من أسعاره، أو لاحت ظروف سياسية نقّصت من إنتاجه، أو جَدّتْ ظروف عسكرية أفقدته قيمته ووزنه الاقتصادي كالظروف التي يمر بها الآن ممر مضيق هرمز؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي