رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اللهم اكفنا شر الغفلة والكفر بالنعمة

كان معظم سكان هذه البلاد الطيبة، وإلى عهد قريب، قد لا يتجاوز الـ70 عاما، يعيشون في بساطة متناهية وحياة شبه بدائية مع شغف شديد في مُتطلبات الحياة الكريمة. وكان الكل آنذاك راضيا عما يتوافر لديه من المحاصيل الزراعية الشحيحة أو رعي المواشي التي تعتمد حياتها على نزول الأمطار على فترات متباعدة أيام المواسم الشتوية، إلى جانب الخدمات البسيطة التي يمتهنها البعض سواء بأجر قليل أو تكافل مع الجيران. وكان هناك من أفراد المجتمع منْ لا يجد قوت يومه فيبيت دون طعام ليوم أو يومين. ولم نكن، بطبيعة الحال، نطمح إلى أكثر أو أحسن مما لدينا على قِلته؛ ربما لأننا لا نملك في ذلك الوقت خيارات أفضل. والشيء الوحيد الذي كان يُقلق الكثيرين في الزمن الماضي، هو عدم توافُر الأمان الذي يبعث على راحة النفس والاطمئنان؛ لعدم وجود سلطة مركزية قوية تعمل على حماية المواطنين من العابثين بالأمن، كما هي الحال اليوم ولله الحمد والشكر. فكان الفرد لا يأمن على نفسه ولا على ماله إذا ابتعد قليلا عن مدينته أو قريته، إلا بوجود منْ يستطيع حمايته والدفاع عنه. وكانت المواصلات، مهما بعُدت الشقة بطبيعة الحال، أما المشي راجلا أو استخدام ما يتيسر من الإبل والخيل والحمير. أما وسائل المواصلات الحديثة فلم نكن نعرف عنها أو نشاهدها في بلادنا إلا بعد ظهور العهد الميمون لموحد الجزيرة العربية، جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي أرسى قواعد الأمن على امتداد هذه الصحراء مترامية الأطراف وإلى يومنا هذا. وكان التعليم بمفهومه اليوم معدوما حتى أوائل الخمسينيات الهجرية. وكل ما كان معروفا ومتوافرا هو ما كان يُسمى بالكتاتيب التي كانت تُركز على قراءة وحفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة بطرق بدائية، تختلف عن ما نطبقه اليوم من التنظيم ودقة نقل المعلومة.
حتى منَّ الله علينا وفتح لنا أسباب الخير الكثير، بفضل من الله.. ثم اكتشاف هذه الثروة النفطية الهائلة في بلادنا. وفي غضون عقود قليلة نقلت حياتنا من الفقر الشديد إلى الثراء الفاحش، والانتقال من غياب شبه كامل لوسائل التعليم العام إلى مرحلة مُتقدمة في مجال العلوم الحديثة خلال سنوات. وسيشهد التاريخ لنا أو علينا إن كنا قد حالفنا الحظ في الاستخدام الأمثل وإدارة هذه الثروة النادرة القابلة للنضوب، أم أننا دون وعي واهتمام منا قد أسرفنا كثيرا في إهلاكها. لقد كانت ردة الفعل لدينا بعد أن منَّ الله علينا بهذه النعمة الزائلة، التي تتطلب منا الشكر، أن قابلناها بشيء من الجحود المتمثل في انغماسنا حتى آذاننا في حياة الرفاهية والكسل والاعتماد على وجود ملايين العمالة الوافدة لتقوم بخدمتنا وترهيلنا؛ حتى أصبحنا عالة على أنفسنا. كل ذلك ونحن نعلم علم اليقين أن هذه النعم المتوافرة لنا اليوم لن تدوم لنا طويلا، ونعلم كذلك أن معظم أفراد أجيالنا الحاضرة لا يتوقون إلى ممارسة الأعمال الشاقة والمهن الحرفية بأنواعها، بسبب التربية (التدليلية) التي نشأوا عليها، إلا منْ هدى الله. وقد يقول قائل، إن أكثر ما يُثبِّط همم الشباب ويُبعدهم عن الأعمال المهنية هو ضآلة الدخل وتدني الرواتب. وهذا على صحته، إلا أن هناك أكثر من مجال وفرص مستقلة متوافرة لكل الجادين منهم. وكل ما يحتاجون إليه هو البحث عن المهن المناسبة لكل فرد، كالتي لا تتطلب ممارستها إلا تدريبا يسيرا، ومن ثم يبدأ بالعمل على حسابه الخاص أو مع مجموعة من جنسه، كما تفعل تلك الأعداد الهائلة من العمالة الوافدة. وقد شاهدت بنفسي أحد الشباب يعمل لحسابه في محل تصوير، حيث يقوم بجميع الخدمات المطلوبة بمساعدة زميل آخر. وكان من الواضح أنهم، ما شاء الله، يحصلون على دخل وفير. وهناك مهن أخرى كثيرة ومحترمة من الممكن أن تتطور إلى أعمال حرة يستفيد منها مجموعات من الشباب عن طريق الشراكة والعمل معا.
وقد وصلنا الآن، بفضل من الله، إلى مرحلة متقدمة في مجال التعليم، يعكسها عدد الجامعات في المملكة ومرافق التعليم المختلفة الأخرى والكم الهائل من أبناء المجتمع الذين يحملون الشهادات العليا في مختلف المعارف والتخصصات العلمية، وأصبح بيننا منْ تفوَّق عالميا في أكثر من فرع من العلوم والمهارات. ومع وفرة المال والطفرات الاقتصادية التي تتكرر على هذه البلاد من وقت إلى آخر، حسب معطيات الميزانية العامة، تحوَّل معظمنا إلى مجرد مستهلكين وغير منتجين، وهو ما ألهانا عن التفكير في مصير هذه الأمة ونحن لم نعمل أي شيء يُذكَر من أجل ما بعد هذه الحقبة الزاهرة من عُمُر الزمن. ونتمنى على أهل المسؤولية، ممن بأيديهم أمر مستقبل البلاد، وذوي الضمائر الحية من أفراد الأمة أن يجعلوا للمستقبل نصيبا من مجهودهم وبُعد نظرهم. نريد أن نرى برامج وخططا استراتيجية توصل الحاضر بالمستقبل وتُحدد مسارا واضحا يقود إلى حماية حياة الأجيال من الضياع عندما يتضاعف عدد الأنفس ويتضاءل الدخل القومي. ولعل أهم ما يمكن أن نقدمه للمستقبل هو ضمان إيجاد مصادر جديدة للطاقة التي هي قاعدة التقدم، وهو أمر متيسر إذا استثمرنا ما لدينا من فوائض مالية.
أما أن نظل مُنشغلين بما لدينا من المال الوفير والإسراف في أمور حياتنا ومواصلة البحث عن مزيد من الرفاهية والترويح عن النفس، فهذا مرده إلى الغفلة الكبرى التي تُسيطر على تصرفاتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي