رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


سلوك المسؤول في السويد يأتي قبل كل شيء

الناس هنا وصلت إلى درجات من الرقي والحضارة تحسدها عليها الأمم. وقد يتصور البعض أن التطور المذهل الذي حققته دول شمال أوروبا، والسويد أكبرها سكانا وأكثرها نهوضا، مرده الرخاء المادي المذهل الذي تتمتع به.
لا يجوز الركون إلى سبب أو عامل واحد فقط يسهم في نهضة الأمم، وكذلك لا يجوز الركون إلى سبب أو عامل واحد يجعل أمة أو دولة ما متخلفة وعلى هامش الحضارة الإنسانية الحديثة.
ولكن بعد ترحالي إلى السويد وعملي كأستاذ وباحث في واحدة من أرقى جامعات البلد لأكثر من عقد من الزمن، أرى أن واحدا من الأسباب الأساسية ليس للنهضة فقط بل لاستدامة التطور والتقدم في سلم الحضارة هنا يكمن في القدوة الحسنة التي يقدمها المسؤول للذين في معيته.
والقدوة الحسنة يتوقعها الناس أولا وأخيرا من أصحاب الشأن والمسؤولين والإداريين الذين يقودون دفة البلد في شتى النواحي ـــ اقتصادية ومالية وعلمية وتربوية وسياسية واجتماعية وإعلامية وصحية ودينية وغيرها.
والقدوة الحسنة هي ركن أساس في الإسلام ولا سيما لدى أصحاب الشأن فالقائد في الإسلام يجب عليه أن يكون على خلق عظيم. واليوم نحن نتذكر عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي كقادة أرسوا سلوكا شخصيا رائعا إلى درجة أنهم صاروا مثالا للقدوة الحسنة.
وصلاح الدين الأيوبي يذكره اليوم المؤرخون ــــ ولا سيما الغربيون منهم، الذين لا يكنون أية مودة له ــــ كقائد أرسى قدوة حسنة لما يجب أن تكون عليه الزعامة والقيادة العسكرية. صلاح الدين حرر القدس من احتلال صليبي بشع دام نحو قرنين. وعلينا أن نتذكر أن القدس اليوم تحت نير احتلال لا يقل عن ذلك الاحتلال بشاعة.
عندما انهزم الصليبيون أمام جحافل المسلمين منع صلاح الدين جنده من دخول القدس ومنح سكانها من الصليبيين الأمان على أنفسهم وأموالهم. وقلما تقرأ مؤرخا غربيا مختصا في هذه الفترة وهو لا يسهب في التفاصيل عن الكيفية التي خرج بها الصليبيون من المدينة هم ورجال دينهم الكبار من الأساقفة والبطارقة والكرادلة ومعهم عرباتهم التي تجرها الحمير والخيول وهي محملة بالدراهم والذهب والفضة والمال.
وعندما اقترب وزير المال من صلاح الدين قائلا: "أليس من الأولى أن يذهب كل هذا المال لبيت مال المسلمين" زجره القائد الإسلامي الكبير، مؤكدا أن ما يفعله الآن ستذكره الدنيا كحسنة للإسلام على مدى الدهر. وهذا ما كان حيث إننا اليوم نجري مقارنة بين احتلال القدس من قبل الصليبيين وتحريرها من قبل صلاح الدين.
الصليبيون دخلوا القدس بجيوشهم وسيوفهم وخيولهم وأباح لهم قادتهم المدينة بسكانها وأطفالها ونسائها لثلاثة أيام متتالية وتكدست فيها الجثث حيث إن طمرها صار مشكلة كبيرة.
أذكر هذا وكيف أن سلوك الفرد الذي يتحمل المسؤولية في السويد صار أهم من مكانته الاجتماعية وحتى شهاداته العلمية وخبرته وتجربته وماله. ذكرنا في مقال الأسبوع الفائت كيف أن وزير المال السويدي همه قبل كل شيء أن يقدم لمواطنيه نموذجا رائعا للأخلاق الحسنة كي يصدقه الناس وتأتمنه على مالها ومستقبلها.
وأذكر هذا أيضا والإعلام في السويد منشغل ليل نهار بمسؤول آخر ظهر أن سلوكه الشخصي صار مثار شبهات. هذا الرجل كان من المتوقع أن يصبح رئيسا للوزراء في الانتخابات المقبلة وله خبرة هائلة في القيادة والإدارة ولا سيما إدارة الحركة العمالية السويدية، التي هي أنشط حركة في العالم.
رئيس المعارضة الذي وقف أفراد حزبه عدة دقائق وهم يصفقون ويهللون عند انتخابه، قوبل بالصفير والسخرية في مستهل الأسبوع وخسر منصبه لأنه كان قد تحايل على الدولة بمبلغ لا يساوي رواتب ستة أشهر لموظف بسيط. الناس هنا تحاسب المسؤول ولا ترحمه إن اقترف شائبة واحدة.
وإلى اللقاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي