الـ «6 دقائق سنوياً» مؤامرة إحصائية مغرضة
نيابة عن كل مواطن عربي يتمتع بالنخوة الأصيلة ويعرف أن معدلات القراءة مؤامرة تديرها مكاتب المراهنات الثقافية وتوازنات المصالح الاستراتيجية لدور النشر، أحب أن أسجل اعتراضي الصريح على هذه النسبة الظالمة.. لقد سئمنا من هذا الخداع للرأي العام العالمي ولم يعد ممتعا بين كل فترة وأخرى أن نعرف أننا نقرأ بضع دقائق بينما يقرأ آخرون في العام نفسه عددا كبيرا من الكتب يكفي ليقرأه جيل كامل طيلة حياته.. ثم ما الذي أدراهم أن دقائقنا الست توازي ربع صفحة فقط.. ليس لدي مشكلة في أنهم لم يسمعوا بالقراءة السريعة، لكن أحتاج إلى أن أعرف على أي أساس تطلق هذه الإحصائية بكل ما يعتريها من الضعف المنهجي المتأصل، إنه استهداف مشبوه، ولا سيما بعد تداول جملة ''العرب أمة لا تقرأ'' التي تفتقر إلى دليل واضح، كما أنها لا تملك الإجابة عن سؤال بسيط من نوع'' إذا كان العرب ''أمة لا تقرأ'' فما الذي يفعلونه إذن أمام شاشات الإنترنت ووسائط الإعلام الجديد المختلفة؟
ست دقائق سنوياً.. لماذا؟ إنها فترة تكفي بالكاد لشرب كوب قهوة، ونحن نشربها يومياً مع جريدة الصباح بحسب عادتنا النمطية العتيدة، أريد أن أفهم كيف لهم أن يتحدثوا عن ست دقائق فقط والواحد من جمهور''العامة'' - ولن أقول جمهورنا المثقف رأفة بأصحاب الإحصائيات المتآمرة – يقضي يوميا قرابة ساعة أمام بقالة حارتهم وهو يتجاهل اللافتة النمطية العتيدة أيضاً ''يرجى عدم قراءة الصحف والمجلات''.. ويستغرق أكثر من ذلك وهو يقرأ بعمق بالغ رسائل هاتفه و''فواتيره في مرحلة لاحقة طبعا''.. ويقرأ باهتمام آسر برودكاستات البلاكبيري، بل لا يكتفي بذلك ولكن ينفق مزيدا من الوقت في إرسالها للآخرين كي يمارسوا عادة القراءة المفيدة.. ست دقائق فقط أيها المتآمرون وطلابنا يقضون الساعات الطويلة ''بمحض إرادتهم'' أمام وبين الكتب في أيام الاختبارات!
لن أستمر في تفنيد هذه التهمة فهي أضعف من أن ينفق فيها وقت جدير باستخدامه في رفع وزيادة نسبة القراءة لدينا، ولكنها فقط وقفة بسيطة لوضع النقاط على الحروف. وتذكر عزيزي القارئ أن تحسب هذه الفترة أيضا ضمن معدلك اليومي، أعرف أنه مشرف وعامر ولكن لا يخفى عليك .. الاحتياط واجب وهؤلاء ليس لهم أمان، لا هم ولا مؤامراتهم الإحصائية المنظمة التي سأرد عليها الآن بالدليل القاطع.. 25 ساعة يوميا في مواقع التواصل الاجتماعي + ربع ساعة يوميا مع جريدة وقهوة الصباح + ساعة يوميا أمام البقالة + 15 ساعة لقراءة محتويات الهواتف الذكية والأقل ذكاء + ثلاث ساعات يوميا ''مع الرأفة'' هي حصيلة مذاكرة طلابنا النجباء = 16151.25 ساعة، وهي لعلمكم أيها الإحصائيون العالميون المغرضون تساوي أكثر من 672 يوما سنوياً، ولن نخضعها لحسابات المنطق لأننا نعرف أن حسنا الثقافي الشجاع والطموح قد تغلب على هذه الحسابات منذ زمن.. كما لن نحولها إلى دقائق كي لا نرهق عقولكم بعدد لا نهائي من الخانات، هذا سيشغلنا عن قضاء وقت إضافي في القراءة، تماما كما سيشغلكم عن تلفيق المزيد الذي لن نعبأ به في نهاية المطاف!
فاصلة:
أعزائي القراء.. بعد إذنكم.. لقد قضيت للتو 12 ثانية و49 جزءا من معدلي القرائي الموقر في قراءة رسالة عقلية تصحح المعلومة وتخبرني بأن المعدل المقصود في الإحصائية العالمية بشأن الدقائق الست هو للقراءة الاختيارية الحرة للكتب على وجه التحديد.. حسناً، ما زالت معلوماتهم هي المغلوطة.. أنا شخصياً أعرف مواطناً عربياً متوسط الثقافة قرأ كتاباً في العام الماضي واستغرق الوقت 8 دقائق تقريبا...''أنا حاسبها بنفسي''.. وعلى فكرة.. تجاوز ربع الصفحة بثلاثة أسطر كاملة.. ألم أقل لكم إنها مؤامرة مغرضة!