رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«حماية المستهلك» وتعزيز الأمن الوطني بأبعاده كافة

كتبت مقالة في السابع عشر من رمضان عام 1432هـ بعنوان ''حماية المستهلك ومواجهة تحدي التضخم وآثاره'' ركزت فيها على أهمية تفعيل دور جمعية حماية المستهلك في مراقبة الأسعار من خلال العمل بعدة مسارات كتطوير الأنظمة والإجراءات، وحث الجهات المعنية بتطبيقها بحزم وصرامة، ومن خلال رفع وعي المستهلك لترشيد الاستهلاك وخفض حجم الطلب المهدر، ومن خلال توعية رجال الأعمال بأهمية دورهم في تنمية الأسواق وحماية المتعاملين بها في إطار تطبيق مسؤوليتهم تجاه المجتمع الذين ينشطون به ويحققون الأرباح من أفراده.
وبكل أمانة دعوني أقول إن جمعية حماية المستهلك السعودية التي رغم ضعف إمكاناتها التي لا تتناسب بتاتا مع حجم وأهمية دورها وحيويته، إلا أنها برئاستها الجديدة بدأت ترمي الأحجار بالمياه الراكدة هنا وهناك لتثير حوارا فكريا فيما يتعلق بحقوق المستهلك في بلادنا في معظم القطاعات السلعية والخدمية هو ما دفعني لكتابة هذه المقالة في الوقت الحرج الذي تمر به أمتنا العربية بتحولات لم تخطر على بال أحد قبل عام 2011، حيث نحتاج إلى كل جهد كبُر أو صغُر لتعزيز الاستقرار الوطني بأبعاده كافة، وما من شك أن البعد الاقتصادي، وخصوصا اقتصاديات الأسرة التي تعاني تكالب التكاليف في أعلى سلم أولويات هذه الأبعاد التي تتطلب منا تفعيل المسارات كافة التي تمكن الأسرة من العيش الكريم.
والعيش الكريم لا يتحقق بتوافر السلع والخدمات الأساسية والضرورية والكمالية بأسعار رخيصة كما يظن البعض فكلنا يعلم المثل القائل ''يا شاري الدون بالدون تحسبك غابن وأنت مغبون''، وإنما بتوافر تلك السلع والخدمات بأسعار معقولة وفق مرجعيات المقارنة وجودة لا تقل عن المواصفات والمقاييس الدولية التي تضمن السلامة والصحة، وإمكانية الاستخدام للمدد المعيارية للسلعة أو الخدمة، وعدم الحاجة السريعة للصيانة المكلفة؛ ذلك أن ''الرخيص غالي''، فكم من سلعة رخيصة مقارنة بسلع مشابهة إلا أنها غالية التكلفة لقصر عمرها مقارنة بالسلع الأخرى أو تتطلب صيانة سريعة ومكلفة أو أنها ذات أضرار كبيرة على الصحة أو السلامة والأمثلة كثيرة ومتعددة على ذلك.
جمعية حماية المستهلك أثارت الكثير من القضايا من خلال الوسائل الإعلامية، وحسب علمي أن الجمعية تعمل على تطوير الكثير من المراكز والبرامج والمشاريع التي تعزز قوتها لتتمكن من حماية المستهلك وفق المعايير والممارسات العالمية التي تتمحور حول حقوق الإنسان الذي يشكل وسيلة التنمية وغايتها والثروة الحقيقية لكل بلد، وحسب علمي أيضا أن الجمعية تعمل على رفع درجة وعي رجال الأعمال والمستهلكين والجهات ذات الصلة بمراقبة المنشآت الاقتصادية لتطوير العلاقة بين هذه الجهات بما يحقق منفعة الجميع دون تغليب منفعة طرف على آخر، وبالتالي الوصول لعلاقة تقوم على الثقة واحترام الحقوق بين المنتج والمستهلك والجهات الإشرافية والرقابية بما يؤصل لعلاقة مستمرة ذات أثر إيجابي على التنمية بأبعادها كافة.
ومن القضايا التي أثارتها الجمعية ما هو معني بالصحة التي باتت تكلف الدولة موازنات ضخمة دون الوصول لرضا المواطن؛ نظرا للضغط الكبير من المرضى الذين يصابون بأمراض يمكن الوقاية منها أو التخفيف من حدتها لو أن مواصفات الغذاء والدواء مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، ولا شك أن قضية ارتفاع نسبة البروم بمياه الشرب المعبأة من أهم هذه القضايا التي ما زالت تقلق المواطن، ومنها قضية المنتجات الغذائية الملوثة بالمبيدات الحشرية والمواد الكيماوية والمضافات الغذائية الصناعية المسرطنة والتي لا تخضع للفحص قبل عرضها للسوق والاستهلاك الآدمي.
ومن القضايا ما هو متعلق بحقوق المستهلك لدى المؤسسات المالية التي تحرمه من الفوائد على مدخراته بدعاوى شرعية، وتحمله فوائد مركبة عند إقراضه بحيل شرعية متساهلة جداً، هذا فضلا عن تحيز شركة ''سمة'' لصالح الجهات المقرضة على حساب المقترضين الذين يعانون ضعف الوعي بشروط وحيل الممولين الذين يوقعونهم على أوراق مكتوبة بخط لا يمكن قراءته لصغر خطه، فضلا عن صعوبة فهمه، إضافة إلى تدخل شركة ''سمة'' لصالح تحصيل فواتير شركات الاتصالات المتنازع عليها، حيث تضع العميل الذي لم يقم بتسديد فاتورته على القائمة السوداء رغم تغول شركات الاتصالات عليه بشأن الفاتورة.
أيضا من القضايا المهمة التي تمس مستوى معيشة المواطن تغول شركات السيارات بوضع شرط تطبيق الصيانة الدورية لدى الوكالة بتكاليف باهظة للحفاظ على الضمان، إضافة إلى إهمالها العيوب المصنعية وعدم إبلاغ المستهلك بتلك العيوب ومعالجتها كما هو في الدول المتقدمة، حيث انفجر رئيس ''تويوتا'' أكيو تويودا باكيا بعدما واجه سيلا من الأسئلة من مشرعين أمريكيين يحققون في سجل الشركة حول السلامة وقدّم اعتذاره كخطوة أولى صوب إعادة بناء الثقة بعد استدعاء ضخم لـ8.5 مليون سيارة هزّ سمعة ''تويوتا''، بينما ينكر وكلاء السيارات لدينا أي خلل مصنعي في سياراتهم رغم كثرة الشكاوى والحوادث، بل إنهم يستخدمون جميع مهارات وحيل العلاقات العامة لتأكيد ما يريدون وتكذيب ما يثار دون أن يعلموا أن المستهلك لن يصدق؛ لأنه لا دخان دون نار.
القضايا المتعلقة بحماية المستهلك التي تنتظر الجمعية أكثر من أن تعد وتحصى في هذه المقالة وتتطلب جهودا وإمكانات بشرية ومالية وتعاونية كبيرة، كما تتطلب عقد مؤتمرات ومنتديات وورش عمل متعددة، إضافة إلى حملات توعية علمية ومستمرة، وبكل تأكيد لا يمكن أن يتحقق ذلك دون موازنات كبيرة نأمل من حكومتنا الرشيدة أن توفرها؛ فدرهم وقاية خير من قنطار علاج بكل تأكيد، وهو درهم لن يذهب هباء، بل سيعزز الاستقرار الوطني بأبعاده كافة وما هو نسعى لتحقيقه جميعا للحفاظ على مكتسبات الوطن ومواصلة مسيرة التنمية دون معوقات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي