انهيار النظام الإيراني .. اقتصادنا في آسيا الوسطى
النظر إلى التطورات الاقتصادية في منطقة آسيا الوسطى بعد انهيار نظام الملالي الإيراني أمر صحي لدوره في فتح آفاقنا نحو مجالات تعاون تسهم في نمو الاقتصاد السعودي واستدامته. فعلى الرغم من التحسن الطفيف في مؤشر التنمية البشرية الإيراني خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن الميزان التجاري الإيراني عانى موجات تذبذب خلال الفترة ذاتها أسهمت في نشأة تحديات اقتصادية داخلية خلال العقد الحالي.
فالجعجعة السياسية والعسكرية التي دأب نظام الملالي على استدامة إسماعها للعالم لم تحظ بكمية طحن اقتصادي تتوافق وحجم هذه الجعجعة. وأحد المتضررين من هذه الجعجعة هم شركاء إيران التجاريون من الجمهوريات الإسلامية التي تربطنا بهم روابط الدين، علاوة على الموارد الطبيعية. فأذربيجان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، وكازاخستان، جميعها دول إسلامية لديها طموح في توثيق علاقاتها مع الاقتصاد الدولي بعد أن رأت النور قبل عقدين من الزمن. وعلى الرغم من هذا الطموح الاقتصادي، إلا أنه اصطدم مع التعاون الاقتصادي الإيراني ضمن منظمة التعاون الاقتصادي دون أن تحقق مع هذا التعاون ما يرضي طموحها ويحقق تطلعات شعوبها.
يعود تاريخ منظمة التعاون الاقتصادي إلى 1985 عندما اشتركت كل من إيران وتركيا وباكستان في تأسيسها بهدف توثيق التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والتقني فيما بينها تمهيداً لإنشاء سوق مشتركة على غرار الاتحاد الأوروبي. اتسعت مظلة المنظمة في 1992 عندما ضمت سبعة أعضاء جددا هم أذربيجان، أفغانستان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، وكازاخستان. توجد الأمانة العامة للمنظمة وقسمها الثقافي في طهران، بينما يقع مكتبها الاقتصادي في إسطنبول، ومكتبها العلمي في إسلام أباد.
يعتبر مجلس وزراء الخارجية في الدول الأعضاء أعلى سلطة في منظمة التعاون الاقتصادي. ويساند مجلس وزراء الخارجية هذا مجلسان آخران، الأول مجلس النواب ويضم رؤساء مجالس النواب من الدول الأعضاء. والآخر مجلس التخطيط ويضم نواب وزراء التخطيط في الدول الأعضاء. وكل دولة من دول المنظمة عضو أيضا في منظمة المؤتمر الإسلامي، كما أن المنظمة تعمل كرقيب لمنظمة المؤتمر الإسلامي منذ 1995.
تمتد المساحة الجغرافية لدول منظمة التعاون الاقتصادي عبر قرابة 8,600,000 كيلو متر مربع. تمثل مساحة الأراضي الكازاخية النسبة الكبرى بتمثيلها قرابة 34 في المائة من إجمالي المساحة، فالأراضي الإيرانية بتمثيلها قرابة 20 في المائة من إجمالي المساحة، فالأراضي الباكستانية بتمثيلها قرابة 11 في المائة.
يسكن في هذه المناطق الجغرافية الشاسعة قرابة 411 مليون نسمة. يمثل الشعب الباكستاني النسبة الكبرى بتمثيله قرابة 40 في المائة من إجمالي سكان دول المنظمة، فالشعب الإيراني بتمثيله قرابة 18 في المائة، فالشعب التركي بتمثيله قرابة 17 في المائة.
ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لدول منظمة التعاون الاقتصادي قرابة 1.5 تريليون دولار. يمثل الناتج المحلي الإجمالي التركي النسبة الكبرى بتمثيله قرابة 47 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنظمة، فالناتج المحلي الإيراني بتمثيله قرابة 24 في المائة، فالناتج المحلي الباكستاني بتمثيله قرابة 12 في المائة.
وإذا استثنينا كلاً من الاقتصاد التركي والباكستاني عطفاً على متانة العلاقة مع الاقتصاد السعودي، والاقتصاد الأفغاني عطفاً على تواضع الاستقرار السياسي، والاقتصاد الإيراني عطفاً على جعجعة نظامه السياسي، فإنه تتبقى ستة اقتصادات هي الاقتصاد: الأذربيجاني، الأوزبكي، التركماني، الطاجيكي، والقيرغيزي، والكازاخي، تزخر هذه الاقتصادات بفرص لتوثيق العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الاقتصاد السعودي.
الاقتصاد الكازاخي يعتمد على النفط بتمثيل صادراته النفطية قرابة 56 في المائة من إجمالي الصادرات. ويرتكز الاقتصاد على احتياطات نفطية تعادل احتياطات العراق على الرغم من وجودها في طبقات جيولوجية عميقة. والاقتصاد التركماني يعتبر ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم. والاقتصاد الأذربيجاني غني بالنفط والغاز الطبيعي علاوة على المعادن الثمينة من الذهب والفضة والحديد والنحاس. والاقتصاد الأوزبكي غني بالمنتجات الزراعية، كالقمح والأرز والذرة والقطن، والأراضي الرعوية. والاقتصاد القيرغيزي يسير نحو إكمال عملية إعادة هيكلته كاقتصاد صناعي على الرغم من التحديات المالية التي واجهها العقد الماضي.
وعلى الرغم من هذه المقومات الاقتصادية التي تحتضنها دول آسيا الوسطى، إلا أن جهودنا الاقتصادية والتجارية نحو توثيق العلاقة مع هذه الاقتصادات ما زالت تمشي على استحياء، فنشاط مجالس الأعمال السعودية مع دول آسيا الوسطى ما زال قائما فقط على مجلس الأعمال السعودي الكازاخي منذ منتصف العقد الماضي. والجهود ما زالت متواضعة لإنشاء مجلس الأعمال السعودي ــ التركماني. والأيام الثقافية السعودية لم تر النور في آسيا الوسطى إلا منتصف العام الماضي في تركمانستان. والحراك الاستثماري في مجالات النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية ما زال قيد المشاورات، والعلاقات الاقتصادية والتجارية البينية لم ترتق لمستوى الوزراء بعد.
إننا في حاجة إلى إعادة النظر في منهجيتنا الاقتصادية نحو اقتصادات دول آسيا الوسطى. منهجية جديدة تعتمد على خبرتنا السياسية السابقة في تأسيس الحلف الإسلامي منتصف الستينيات الميلادية وما نتج عنه من إنشاء منظمة العالم الإسلامي. خبرة حكيمة بعيون اقتصادية هذه المرة بما يضمن وجود الاقتصاد السعودي في دول آسيا الوسطى اقتصاداً رائداً لا يؤثر في نمو هذه الاقتصادات واستدامتها وحسب، إنما يفتح الطريق نحو تحقق تنمية مستدامة بعيدة عن الجعجعة الإيرانية وطحنها الاقتصادي.