رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الوزير الجديد وأزمة الأسمنت والحديد!

أوضحت الأيام القليلة الماضية أن أزمة اختفاء الأسمنت من السوق المحلية لم تكن لأسباب فنية، بل كان وراءها ــــ للأسف الشديد ــــ طمع وجشع بعض التجار.
ولا شك أن التجار الذين دفعتهم أطماعهم إلى إخفاء كميات من الأسمنت وتخزينه في المستودعات القصية أفسحوا المجال أمام قيام سوق سوداء تلعب فيها بؤر العمالة الأجنبية الماكرة دوراً في شكل سماسرة ووسطاء وعمولات ترفع أسعار هذه السلعة الأساسية التي يترتب عليها التأثير سلباً على معدلات تنفيذ برامج التنمية الوطنية، الأبشع من ذلك أن البعض الآخر من التجار تقرصنوا مع هذه الفئة وخفضوا المعروض من الأسمنت وأخفوا كميات كبيرة منه في المستودعات النائية حتى ينشئوا أسواقاً احتكارية تتحكم في الأسعار.
والأغرب من ذلك أن بعض التقارير كشفت أن بعض المقاولين انسحبوا من سوق المقاولات إلى سوق بيع الأسمنت وركبوا الموجة سعياً وراء الربح المغري السريع، وقبل ذلك تسبب هؤلاء المقاولون في أزمة اختفاء الحديد من السوق المحلية مما أدى إلى ارتفاع أسعاره.
وإذا كانت الأزمة قد طالت سلعتين أساسيتين في سوق البناء، فإن الخوف ما زال قائماً من سريان العدوى إلى مواد البناء الأخرى التي بدأت بعض المحاولات الملتوية ترفع أسعارها.
أقول إذا نجح هؤلاء الخارجون على النظام في التلاعب بالأسمنت والحديد، فإن سوق مواد البناء بعامة مرشحة لزيادات في الأسعار، ولا سيما أننا قد لمسنا بالفعل تحرك أسعار الكثير من مواد البناء إلى أعلى.
وإذا كان في سوق الأسمنت والحديد تجار جشعون وسماسرة مدسوسون، فإن في أسواق الخشب والجبس والدهان وأدوات الكهرباء والسباكة والسيراميك والألمنيوم والرخام والمسامير والمفصلات.. حتى الخرسانة تجاراً جشعين وسماسرة لاعبين.
إن مشاريع الإسكان ومشاريع الطرق والكباري ومشاريع القطارات ومشاريع المدارس الجديدة والجامعات الوليدة والمستشفيات العتيدة، ومشاريع الدولة بعامة ومشاريع البناء للقطاع الخاص في السنوات القليلة المقبلة لا حدود لها، وستتطلب هذه المشاريع التي تحتل الحيز الرئيس في برامج ومشاريع التنمية الشاملة كميات هائلة من الأسمنت والحديد وكل مواد البناء الأخرى، ولذلك فإن الطلب على هذه المواد سيقفز إلى مستويات غير مسبوقة.
ولذلك فإن من المتوقع أن تشهد سوق مواد البناء في المستقبل القريب ارتفاعات مقلقة في الأسعار، وهنا يتضاعف دور وزارة التجارة والصناعة لمراقبة أسعار مجموعة كبيرة من السلع وليس الأسمنت والحديد فقط.
ولكن ــــ مع ذلك ــــ نستطيع القول إن إمكانات وزارة التجارة والصناعة في مراقبة الأسواق لن تمكنها من السيطرة على أسعار عدد كبير من السلع في سوق تأخذ بنظام السوق وتطبق مبادئ الحرية الاقتصادية في كل الأسواق، ونتمنى أن يلعب القطاع الخاص والمواطن ــــ مع الوزارة ــــ دوراً مؤثراً في كبح الزيادة غير المنطقية في أسعار مواد البناء.
إن عجز وزارة التجارة والصناعة في مواجهة موجات ارتفاع أسعار مواد البناء سيؤدي بالضرورة إلى عرقلة عجلة برامج ومشاريع التنمية.
ويجب أن يكون واضحاً أنه لا مبرر لغياب الأسمنت عن السوق المحلية، ونذكر جميعا أن مصانع الأسمنت المنتشرة في كل مناطق المملكة قد بدأت في تنفيذ مشاريع التوسعة وزيادة الإنتاج لأكثر من 50 في المائة منذ ثلاث سنوات، واستطاعت أن تحرز تقدما رائعا في زيادة المعروض من الأسمنت، ولذلك لا مبرر إطلاقا لغياب الأسمنت عن السوق المحلية، وبالنسبة للحديد فلا يوجد في السعودية سوى عدد محدود من مصانع الحديد تقف في مقدمتها ''سابك'' وتنتج نصيب الأسد، ويصل جملة إنتاج هذه المصانع من الحديد ما لا يتجاوز 7.2 مليون طن سنوياً، علماً أن حجم الاستهلاك سيصل خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى 36 مليون طن سنوياً، أي بزيادة تبلغ نحو 50 في المائة مما يعني ضرورة أن تقوم وزارة التجارة والصناعة بدعم واسع لتعظيم صناعة الحديد في المملكة حتى يلبي الإنتاج الجانب الأكبر من الطلب، أمّا أن تكتفي وزارة التجارة والصناعة بوظيفة الرقابة اللاهثة، فإن محاولاتها ــــ على المدى الطويل ــــ لن تجدي في ضبط الأسعار ولن تكون فعالة بأي حال من الأحوال.
إننا إذا لاحظنا أن هناك ارتفاعات في أسعار مواد البناء في الأسواق العالمية، فإننا يجب أن ندرك أن هذه الدول بدأت تتحرك باتجاه وضع هياكل جديدة للأسعار.
بمعنى أن أسواق البناء العالمية ستشهد تحركا إيجابيا في كبح جماح ارتفاعات الأسعار، بينما لا نتوقع أن تنجح وزارة التجارة في السيطرة على أسعار الأسمنت والحديد، بل لا نتوقع أن تنجح وزارة التجارة في كبح جماح الزيادة المنتظرة في أسعار كل مواد البناء، ولكن لنا أمل كبير في أن تنجح الوزارة في إحداث نوع من التوازن في المستوى العام للأسعار، وإذا تحقق هذا النجاح، فإننا نشد على يد الوزير الجديد الذي بدأ عمله في الوزارة بسلسلة من الأزمات العاتية في سوق تأخذ بنظام السوق الحر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي