الطاقة الشمسية أصبحت في متناولنا
تناقلت وسائل الإعلام أخيرا أخبار خروج بعض شركات تصنيع مواد توليد الطاقة الشمسية الكبرى من المنافسة مع مصادر الطاقة الأخرى، وهو أمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب، ويعني أن تلك الشركات أوشكت على الإفلاس لعدم قدرتها على تسديد ديونها. ونستغرب أكثر عندما نعلم أن السبب المُعلَن لفشلها هو تدني أسعار منتجاتها في الأسواق العالمية. فهل ذلك يعود إلى شدة المنافسة ووفرة المواد المُصنَّعة، أم إلى ضعف الطلب على مصادر الطاقة الشمسية؟ أو ربما لكلا السببين. إذا كان الأخير هو سبب خروج الشركات التي اختارت ألا تستمرَّ في هذا المجال، فهو أيضا أمر يدعو إلى الأسف لأننا في أشد الحاجة إلى مصادر جديدة للطاقة من أجل مساندة المصادر النفطية التي ستُعاني عما قريب نقصا في الإمدادات مقابل كميات الطلب المتزايدة. ومن منظور آخر، فنزول أسعار مواد توليد الطاقة الشمسية يجب أن يكون دافعاً ومشجعاً لتوسعة الاستثمار في مشاريع مصادر الطاقة المتجددة، التي ستكون في المستقبل من أهم المصادر التي ستُغذي متطلبات حياة البشر من الطاقة، خصوصاً الكهرباء. هذه فرصة ذهبية لنا قبل أن تنسحب أكثر الشركات المتأثرة من هذا المجال الحيوي، ومن ثم ترتفع الأسعار نتيجة للطلبات المستقبلية التي من المُتوقَّع أن تتعافى وتغزو ميدان توليد الطاقة الشمسية، ولأننا - ولله الحمد - نملك اليوم الكثير من المال الفائض عن حاجتنا.
وكانت أرباح الشركات العاملة في مجال تصنيع مواد الطاقة الشمسية خلال السنوات القليلة الماضية تصل إلى 50 في المائة، وهي نسبة مريحة ومُشجعة للاستثمار طويل المدى، قبل أن تنخفض في أواخر عام 2011 إلى مستويات متدنية وغير مُجدية اقتصادياّ. وهناك عاملان رئيسان، كانا من أهم الأسباب التي عصفت بأسعار الألواح الزجاجية التي تُحول الأشعة الشمسية إلى طاقة كهربائية. الأول هو أزمة اليورو في أوروبا، التي بسببها قلصت الحكومات الأوروبية إعاناتها لشركات الطاقة المتجددة، وتمنعت البنوك عن ضخ الأموال إلى شركات ألواح الطاقة الشمسية. والمؤثر الآخر الذي ساعد على تخفيض أسعار الألواح الزجاجية، الكميات الكبيرة التي أنتجتها المصانع الصينية خلال عام 2011. ومن الشركات العالمية المُصنِّعة للألواح الزجاجية التي تأثرت بنزول الطلب على منتجاتها، الألمانيتان، سولون وسولار ميلينيوم، والأمريكية إفرقرين سولار وإسبكترا وات وسولندرا. وقد طالت الأزمة شركات أخرى كثيرة في الصين واليابان وإسبانيا، لكن بنسبة أقل. ومعظم الهبوط في الأسعار حدث في عام 2011، حيث كان معدل سعر الواط في بداية السنة 1.6 $، وفي نهاية العام نزل إلى دولار واحد. ولا يُستبعد أن يهبط السعر في النصف الأول من عام 2012 إلى ما يُقارب 0.80 $، قبل أن يعود إلى الصعود مرة أخرى.
إنما الذي يهمنا هو استمرارية الانتعاش الاقتصادي العالمي وانتشاله من حالة الاحتضار التي يعيشها اليوم. وهذا لن يتم إلا مع إيجاد وفرة من مصادر الطاقة المساندة والمستديمة. وما يزيد من أهمية إنشاء مرافق توليد الطاقة من الأشعة الشمسية الأحداث الخطيرة التي تعرضت لها أخيرا محطات التوليد النووية في اليابان، وبعثت برسائل شؤم إلى الدول التي كانت تُخطط لبناء مرافق نووية جديدة. وهي، وإن لم تصل إلى درجة إيقاف بناء المرافق النووية، فمن المؤكد أنها تركت أثرا سلبيا على مستقبل الطاقة النووية قد يحد كثيراً من المشاريع المستقبلية. وبذلك يكون المجال، دون أي شك، مفتوحاً أمام مصادر الطاقة الشمسية النظيفة والمستديمة.
وتدنت تكلفة الطاقة الشمسية، وعلى وجه الخصوص في البيئة العربية الصحراوية، إلى مستويات منافسة للمصادر الأخرى بما فيها المشتقات النفطية، إذا تمت المقارنة بأسعار النفط الدولية وليس المحلية المُخفضة. فقد وصلت أسعار الكهرباء من معامل الطاقة الشمسية إلى ما دون 0.14 $ لكل كيلو واط ساعة، مقارنة بـ 0.25 $ لكل كيلو واط ساعة للكهرباء المنتجة من وقود الديزل بالسعر العالمي، وليس السعر المحلي المخفض. ولو نظرنا إلى مستقبل الطلب على الطاقة، محليا وعالميا، لتبين لنا وبكل وضوح أننا في حاجة مُلحَّة إلى دعم مصادر الطاقة التقليدية بروافد من مصادر أخرى، وإلا فسنجد أنفسنا في غضون سنوات قليلة نستهلك محليا نسبة كبيرة من إنتاجنا النفطي، إلى جانب الضغوط الخارجية علينا طلباً للمزيد من الإنتاج. ورغم وضوح الرؤية، إلا أن المرء يأسف لعدم وجود الاهتمام الكامل بهذا الموضوع المُهم في حياتنا ومستقبل أجيالنا. وتستهلك المملكة في اليوم الواحد من وقود النفط الخام والغاز الطبيعي والمشتقات النفطية الأخرى ما يزيد على 500 ألف برميل مكافئ، يكوِّن منها الخام 40 في المائة والمشتقات 25 في المائة. ويُباع الوقود النفطي على شركة الكهرباء بأسعار مُخفضة جدا، بحيث تقل عن 10 في المائة من أسعارها العالمية، حسب تقارير شركة الكهرباء. فلو استطعنا في المراحل الأولى من إنشاء مرافق الطاقة المتجددة توفير كمية متوسطة من الوقود السائل وعرضناها للتصدير لكان المردود المالي بالمليارات.
وحتى لا نبخس جهود نخبة من أبناء هذا البلد الطيب المخلصين، فقد صدرت خلال الأسابيع الماضية من بعض المسؤولين تصريحات إيجابية، تُعبِّر عن توجه سليم نحو استخدام مصادر الطاقة الشمسية على نطاق واسع كرافد للطاقة النفطية. ونحن نبارك لهؤلاء المخلصين جهدهم ونتمنى من الله أن يكتب لهم التوفيق في هذا الاتجاه الحيوي. ونرجو، في الوقت نفسه، أن يحاولوا قدر الاستطاعة تذليل أي عقبات أو صعوبات تقف في وجه مثل هذه المشاريع المصيرية.