أسهم مجانية للسعوديين تربطهم بخطط التنمية

عرضت خلال سلسلة مقالات سابقة نظرة الاقتصاديين للتنمية الحقيقية التي عرفها علماء الاقتصاد بـ ''زيادة الدخل الحقيقي للفرد''. فقد بينت في المقال الأول الجزء النظري لهذا الاعتقاد، وفي المقال الذي يليه بينت الآليات التي تمكننا من الاستفادة من هذه الأفكار والشروط المنطقية لتحقيق التنمية. وأريد هنا أن أكمل ما بدأته كي نرى أين نحن من التنمية الحقيقية، وأين تقع نهضتنا التنموية من كل هذا. وكالعادة قبل أن أبدأ سأعيد مرة أخرى شروط تحقيق التنمية حتى تكون حاضرة في أذهاننا، التي أوجزها علماء الاقتصاد في البنود التالية:
1. يجب أن تتوافر داخل الدولة قاعدة بيانات عصرية دقيقة تُحدث باستمرار.
2. إعداد موارد بشرية وطنية مدربة تدريبا جديا علميا ومهاريا وتقنيا.
3. تحقيق الأمن والاستقرار.
4. توفير سياسات ضامنة لحركة رؤوس الأموال والموارد البشرية.
5. تنمية وعي الشعوب بأهمية المساهمة في التنمية الحقيقية.
6. حماية الموارد المتجددة مثل الغابات من التلوث وغير المتجددة مثل النفط من النضوب.
وأوضحت من قبل أن الشرط الثالث (الأمن والاستقرار) والرابع (حركة رؤوس الأموال والموارد البشرية) متوافران، أما بقية الشروط فما زلنا بعيدين عنها. فالبيانات على سبيل المثال كما بينت في مقال الأسبوع الماضي موزعة على أكثر من قطاع، وكثير منها يشوبها الغموض، وقلة المصداقية، والبعض الآخر يتظاهر القائمون عليه بالسرية. أما إعداد الموارد البشرية فما زالت مؤسساتنا تتخبط في برامجها ولم تصل بعد إلى إعداد موارد بشرية مؤهلة ومدربة تسهم بجدارة وتنافس بقوة. وأنا لا أعني هنا مؤسسة تعليمية بعينها أو معهدا تدريبيا بذاته، فهناك بالطبع من يستحق الإشادة به، إلا أن هذا لا يمثل الانطباع السائد بل استثناء.
والآن دعونا نكمل مناقشة بقية شروط الوصول إلى التنمية الحقيقية ومدى تحقيقها في بلادنا. فلو أخذنا الشرط الخامس وهو تنمية وعي الشعوب بأهمية المساهمة في التنمية، فالتنمية الحقيقية ليست مهمة الحكومات فحسب، بل الشعوب أيضا، ولن تتحقق أي تنمية دون شراكة حميمية بين الدولة والمواطنين.
ما نلاحظه في بلادنا أن المواطنين بعيدون عن المساهمة والاهتمام بالتنمية الحقيقية وخططها فجلهم لا يدري ما الذي يحدث في هذا المجال، بل إن أغلبيتهم لا يكلف نفسه معرفة أين تتجه خطط التنمية؟ وما نصيبه منها؟ وكيف سيكون بلده بعد خمس سنوات مثلا؟ وهذا مؤشر خطير فلمن هذه الإنجازات؟ ولمن تلك المقومات؟ ولمن تبذل هذه المليارات؟ أليس المستفيد الأول والأخير هو المواطن؟ لكن لماذا لا يأبه بكل هذا؟ لماذا لا يهتم بتقدم المشروعات ولا يراعي ذلك البذل السخي في القطاعات كافة وكأن كل ما يحدث لا علاقة له به؟ يجب أن يشترك المواطن في خطط وإنجازات البلد وأن يهتم لها ويتحمس لتقدمها وتحقيق أهدافها، بل حمايتها من العابثين والحاقدين، فهذه المكتسبات جميعها له ولأبنائه.
لكن كيف يكون ذلك؟ كيف نربط المواطن ربطا مباشرا بخطط التنمية ونجعله يترقب تقدمها بكل حرص ويتلهف لسماعها والتحدث عنها والتغني بمستقبلها؟ أرى أن هناك آليات عدة تفيد في هذا المجال وقد يكون لديكم الكثير:
1. عندما توضع الخطط التنموية يجب أن تكون واقعية منطقية بعيدة عن المبالغة وتضخيم المبالغ التي تصرف. عندما ينظر المواطن إلى المليارات ولا يرى لها صدى في الواقع يتكون في ذهنه حالة من الشك وعدم الثقة.
2. يجب مراقبة تنفيذ تلك الخطط في الواقع بكل دقة وألا تكون فقط على الورق أو يتم تنفيذها بطريقة عبثية لا تراعي تحقيق الأهداف. كثير من الخطط التنموية وما يتبعها من مشروعات إنشائية لا نرى لها انعكاسا في الواقع وبعضها يبقى رهين الأدراج لعشرات السنين أو يتم تنفيذها ببطء، وهذا - في رأيي - السبب الجوهري لعدم اكتراث المواطن بها وينظر إلى أي نية جادة للتنمية بعد ذلك وما يتبعها من مشروعات على أنها كسابقتها.
3. يجب عند تقييم الخطط التنموية والمشروعات الوطنية المصاحبة أخذ رأي المواطن فيها، وأن يكون له دور في التقييم عن طريق أخذ عينة عشوائية من المواطنين في المناطق التي يتبعها المشروع لإبداء الرأي حول تقدم إنجاز المشروع وعرض نتائج التقييم في وسائل الإعلام.
4. يجب أن تكون هناك فائدة مباشرة من الخطط التنموية يحصل عليها المواطن حتى أبين كيف تعمل هذه الآلية سأضرب المثال التالي ويمكن أن يقاس عليه، عندما تنوي الدولة تخصيص أي قطاع من قطاعاتها أو مؤسسة من مؤسساتها عليها أن تمنح المواطنين أسهما مجانية من حصتها قبل بيعها للقطاع الخاص ولو كان بعدد بسيط جداً، فعمل كهذا سيشعر المواطن بأن هذا المشروع ملكه، وهذا لا يلغي أحقية المواطنين في المساهمة في رأسمال الشركة إذا تم طرح أسهمها للاكتتاب العام. بل يحق للمواطن (المواطن العادي) إذا رغب وكانت له القدرة المالية أن يسهم حتى في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، ولا يمنع أن تدعمه الدولة إذا كان سعر السهم مرتفعا نسبيا. فنحن نعلم أن سعر سهم الشركات ذات المسؤولية المحدودة أكبر بكثير من سعر سهم الشركات المساهمة.
هذا - في رأيي - بعض الاقتراحات لربط المواطن بخطط التنمية وجعله يترقبها ويراقبها، فلا غنى للدولة (أي دولة) عن دعم المواطن إذا أرادت أن تصل إلى التنمية الحقيقية التي تعني ''زيادة الدخل الحقيقي للفرد''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي